الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها الأحبة في الله! هناك حقائق ثلاث مترابطة، يلزم من وقوع أولاها وقوع الثانية، ومن وقوع الثانية وقوع الثالثة لا تنفك عن بعضها، وهي سنن كونية ربانية يجريها الله عز وجل على أهل هذه الحياة، ولا يستطيع أي إنسان مهما كان أن يخرج على هذه الحقائق الثلاث، ومن يعرفها ويعتقدها ويعمل بمقتضياتها هو من عرف حقيقة الحياة، ومن يجهلها ولا يتأملها ولا يعمل بمقتضاها فهذا ما عرف حقيقة الحياة، ولا حقيقة نفسه، ولا سر وجوده، فهو يعيش عيشة البهائم، ويموت كما تموت الأنعام، ولكن يبعث يوم القيامة ويسأل ويحاسب، فيخف في الموازين، ويتمنى أن لو صار تراباً، ويتحسر ويتألم على أنه ضيع هذه الحياة من غير أن يعرف تلك الحقائق الثلاث، وهي عنوان المحاضرة: "الحقائق الثلاث".
وقد جاءت هذه الحقائق الثلاث كلها في آية واحدة في كتاب الله عز وجل، هذه الحقائق هي: أولاً: حقيقة الخلق: خلق الله لك أيها الإنسان.
ثانياً: حقيقة الموت.
ثالثاً: حقيقة البعث.
هذه السنن تجري على الناس من غير اختيار، هل هناك أحد أُخذ رأيه حينما خلق فقيل له: أتريد أن تخلق أم لا؟ لا.
تخلق من غير أن يؤخذ برأيك، وهل من أحد يؤخذ برأيه عند الموت: أتريد أن تموت أم لا؟ لا.
وهل من أحد سيؤخذ رأيه عند البعث: أتريد أن تبعث أم لا؟ لا.
فهي سنن كونية جارية.
كنت أتحدث قبل فترة مع تاجر، فدعوته إلى الله، فكأنه استيقظ من النوم، وكنت قد دعوته إلى الله عن طريق الحديث عن البعث والآخرة والجنة والنار، فقال لي عبارة ساذجة، لكن لها معنى في قلبه، قال لي: حسناً! والذي لا يريد أن يبعث؟ أي: إذا جاءه الموت والشخص لا يريد أن يبعث؟ قلت: من لا يريد أن يبعث كمن لا يريد أن يموت، ما رأيك أنت تريد أن تموت؟ قال: لا.
لكني سوف أموت رغماً عني، قلت: وتبعث رغماً عنك، مثلما أنك خلقت رغماً عنك، وتموت رغماً عنك، فإنك تبعث رغماً عنك.
ولو أن شخصاً استطاع أن يخرج عن هذه السنن، وأراد الله له الخلق، فقال: أنا لا أريد أن أخلق، أو أراد الله له خلقاً فخلقه، ولما أراد الله له أن يموت قال: أنا لا أريد أن أموت، كيف أموت وأنا ملك، وكل شيء عندي؟ هل صنع أحد هذا من نبي أو قوي، أو تاجر وثري؟ لا.
كل الناس يموتون، لا يوجد شخص يستطيع أن يشذ عن هذه القاعدة.
ومادام أن قاعدة الخلق جرت على الناس كلهم، وقاعدة الموت جرت على الموتى كلهم، إذن تبقى الثالثة، وهي قاعدة البعث، ستجري على الناس كلهم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده! لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتسألن عما كنتم تعملون).