أما بعض الأحكام المتعلقة بالناس في رمضان، يعني الناس ليسوا كلهم على وتيرة في فرضيته وإنما يتفاوتون بتفاوت أحوالهم ومناسباتهم.
فالصوم واجب وفرض على كل مسلم بالغٍ عاقلٍ قادرٍ مقيم، وبهذه الخمس التعريفات يخرج من المحترزات أصناف منها: المحترز الأول: أن الكافر لا يصوم، ولو صام لم يقبل منه، وإذا أسلم لا يقضي الذي فاته؛ لأن التوبة والإسلام يجب ما قبله، إذ يشترط فيمن يصوم أن يكون مسلماً؛ لأن الإسلام هو أساس كل عمل.
الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد، وسن الرشد يعرف بواحدة من ثلاثة أشياء: إما بالإنبات، أو بالاحتلام، أو ببلوغ الخامسة عشرة، ومن بلغ خمس عشرة سنة أو أنبت أو احتلم فقد بلغ، ووجب عليه الصوم، وإذا لم يصم فمعناه أنه ترك ركناً من أركان الإسلام، لكن الصغير يعود عليه، ويدرب من الصغر، من السبع سنوات يدرب يوم في رمضان هذا يصوم يومين أو ثلاثة أو أربعة فيأتي رمضان القادم فيصوم أسبوعاً وعمره إذا كان ثمان سنوات يصوم عشرة أيام وهكذا كما قالت عائشة رضي الله عنها: [كنا نلهي الصبيان باللعب حتى يفطروا في المغرب] فكونك تدربه فعل حسن لأن بعض الناس يقول: لا أريد أذبح الولد، فالولد يريد يصوم لكن يصيح أبوه، يقول له: أفطر يا بني -سبحان الله- تذبحه يوم يصوم لرب العالمين، لا إذا صام في صحته وفي عافيته إن شاء الله فهو تدريب على الخير فقوِ فيه هذه الروح ولا تحبطها فيه ولا تخذله.
المجنون لا يجب عليه الصوم ولا الإطعام؛ لأنه غير مكلف، وإذا فاق وعاد إليه رشده وعقله فإنه يصوم من وقته ولا يقضي ما فاته لارتفاع التكليف عنه، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق).
العاجز عن الصوم بسبب كبرٍ، أو بمرضٍ لا يرجى برؤه، وقرر الأطباء المسلمون أن الصيام مضرٌ به، فإن هذا يسقط عنه الصوم ولكنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، فإن كان عاجزاً لا يستطيع حتى الإطعام سقط عنه الإطعام والصيام، وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى.
المريض الذي يمرض مرضاً طارئاً وقتياً، فهذا يفطر ولكنه يقضيه بعد أن يمن الله عليه بالشفاء للآية الكريمة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] يعني: فعدة ما أفطرت من أيام أخر بعد رمضان.
الحامل التي في بطنها جنين، أو المرضع التي ترضع جنينها ويترتب على صيامها ضرر عليها أو على جنينها، فإنها تفطر، وتصوم بعد أن تضع أو بعد أن تفطم هذا الولد، وفرق أهل العلم فقالوا: إن كانت تخاف على جنينها أو على ولدها فإنها تفطر وتطعم إذا قضت، أما إذا خافت على نفسها فإنها تصوم ولا تطعم، ولكن المحققين من أهل العلم يقولون: لا دليل على التعزيز بالإطعام، وإنما إذا أفطرت فإن عليها القضاء ولا كفارة مع ذلك، وإنما هي من اجتهادات أهل الفقه رحمهم الله تعالى.
الحائض والنفساء لا تصومان ولكن تقضيان الصوم ولا تقضيان الصلاة بعد رمضان.
الذي يضطر اضطراراً بالغاً للإفطار مثل: إنقاذ غريق، إنسان مسلم سوف يموت في البحر، وهذا يريد ينقذه، ولكنه لا يستطيع أن ينقذه إلا إذا كان متزوداً بشيء من الإمكانيات فهذا يجوز له أن يفطر من أجل إنقاذ هذا الإنسان، وقد نص على هذا أهل العلم، وقاسوا عليه من يكون مستعداً لإخراج الدم لإنقاذ حياة مريض، مريض وقع له حادث مروري وقالوا: إذا لم يوجد دم الآن سوف يموت هذا الإنسان، فيعطيهم ويفطر، فهذا مضطر لأن يفطر، لأنه أنقذ إنساناً من الموت بإذن الله عز وجل.
أما المسافر فإنه مخير بين الصوم وبين الإفطار بحسب ما يتيسر له، فإن كان الإفطار أيسر له فعليه أن يأتي بهذه الرخصة؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه، وإذا كان الصيام في حقه أفضل فيتبع ما شاء، لأن بعض الناس تجده يسافر للعمرة وفي الطريق يجوع ويعطش، وأولاده يجوعون ويعطشون ولكنه يرفض أن يفطر، وهذا إذا كان عليه مشقة فإنما يرد رخصة الله، ويريد غير ما أراد الله؛ لأن الله يقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] فكأنك أنت بالصيام تريد لنفسك العسر والله يريد بك اليسر، فما دام الله سمح لك فلماذا تشق على نفسك يا أخي؟! أفطِر، ويضرب أهل العلم مثالاً: لو أن عندك عاملاً في مزرعتك ودخلت عليه وهو صائم ويشتغل في المزرعة، فلما رأيت عرقه يتصبب وجهده واضحاً أشفقت عليه فقلت له: يا فلان! قف من الشغل واذهب فما بقي من النهار فهو إجازة، إذا وضع المسحاة وشكر لك وقال: الله يجزيك خيراً، يكون أحب إلى نفسك من أن يستمر ويقول: والله لا أتوقف إلا وقت الغروب، ما رأيك أنت تقول: الله لا يعينك، ما دام رحمناك وأبيت فالزم مكانك، ولله المثل الأعلى، الله يرحمك ويقول: إذا كنت في سفر وعليك مشقة ولحقك ضرر، وأردت لنفسك يسراً بما يسر الله عليك من الإفطار فلا تختر لنفسك عسراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في يومٍ من الأيام وهو في سفرٍ؛ ومن الصحابة من كان صائماً، قال: (ما صنع العصاة؟) سماهم العصاة وقال للذين أفطروا: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر) ولكن بحكم أن وسائل السفر اليوم عندنا بفضل الله تغيرت عن وسائل الماضي وأصبح الإنسان يسافر بالطائرة أو بالسيارة فهو مخير بين الإفطار والصيام بحسب ما يتيسر له من دون أن يلحق بنفسه مشقة.
أحد الناس قال لي: أنا سوف أذهب آخذ عمرة، والعمرة سنة، فكيف أذهب آتي بعمرة وأضيع فريضة؟! قلت له: لا تأخذ عمرة، لو أردت أن تسافر إلى جدة تشتري قطعة غيار لسيارتك هل يجوز أن تفطر؟ قال: نعم.
قلت: كيف تذهب تأخذ قطعة غيار لسيارتك وتضيع فريضة، الفريضة أهم أو قطعة سيارتك؟! فسكت الرجل، فالقضية ليس أنك ذاهب تأخذ عمرة أو غيرها، بل ما دمت في سفر والسفر حدده العلماء فقالوا: إما أن يكون سفراً واجباً، أو سفر طاعة، أو سفر مباح، أما سفر المعاصي فللعلماء فيه كلام، كمن يسافر ليفطر، مثل الأعرابي الذي دخل عليه رمضان قالوا: جاء رمضان، قال: والله لأبددن شمله بالأسفار، قال: أريكم فيه كل يوم أنا في أرض، من أجل يفطر كل يوم، هذا لا يفطر، لماذا؟ لأنه متى يقضي والعياذ بالله؟ أو سفر معصية، كمن يسافر من هنا فيخرج إلى خارج المملكة ليشرب الخمور أو ليزني، فهذا لا يفطر؛ لأنه سوف يذهب يستعين بهذا الإفطار على معصية الله -والعياذ بالله- فشرط أن يكون السفر سفر طاعة أو سفراً مباحاً كعلاج أو دراسة أو بيع أو شراء، أو زيارة، أو سياحة أو تمشية، فإنه يجوز لك أن تفطر فيه إذا لحقت بك المشقة.