مقاييس الربح والخسران ليست في الدنيا فقط، فكم من رابح في الدنيا وهو خاسر يوم القيامة {أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15] وكم من خاسر في نظر الناس في الدنيا ولكنه يربح عند الله الربح العظيم يوم يدخل الجنة، يقول الله عز وجل: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] والناس بحكم ضعف إيمانهم، وتعلق قلوبهم بالمادة والدنيا والحياة، ونسيان معظمهم لأمر الآخرة يقيسون الربح والخسارة على هذه الدنيا، فإذا اشترى رجلٌ سيارة وانقلبت قال: خسارة، وإذا تزوج زوجة وطلقها قال: يا خسارة، وإذا فصل من وظيفته قال: خسارة، وإذا انهدم بيته قال: خسارة، لكن إذا هدمت عقيدته، أو ضيع صلاته، أو خان أمانته، أو نظر بعينه إلى الحرام، أو سمع بأذنه الحرام، هل يعتبر نفسه خاسراً؟! لا.
لماذا؟ لأن مصيبة الناس في دنياهم أعظم من مصيبتهم في دينهم؛ لعظم وشأن وقيمة وأهمية الدنيا، أما الدين فهو بسيط في قلوب أكثر الناس إلا من رحم الله.
أبني إن من الرجال بهيمة
يعني: بقرة، في صورة الرجل السميع المبصر، عيون ورأس آدمي لكن عقليته ونفسيته وأفكاره أفكار البهائم.
أبني إن من الرجال بهيمة في صورة الرجل السميع المبصر
فطن لكل مصيبة في ماله وإذا أصيب بدينه لم يشعر
ولذا الناس لما هدأت الأمور أمنوا، فلما أمنوا عادوا إلى ما كانوا عليه من المعاصي والذنوب رغم أنهم في مصيبة من قبل ومن بعد، فالذي لا يصلي في المسجد هذا في مصيبة وينتظره عذاب الله الأكيد، ومن يسمع الحرام ويتكلم بالحرام وينظر بعينه إلى الحرام ويأكل الربا والحرام ويقع في الزنا واللواط ويمد يده إلى الحرام ويسير بقدمه إلى الحرام هؤلاء كلهم أصحاب مصائب لكن لا يشعرون بها، يشعرون بمصيبة البطون إذا جاعت كما تشعر البهائم بمصيبتها إذا جاعت، ويشعرون بمصيبة البيوت والأمن إذا اختل، لكن لا يشعرون بمصيبة الدين إذا اختل.