يا أخي المسلم: يا أخي في الله! وقفةٌ مع النفس مع بداية هذا العام الجديد، وقفةٌ صادقة جادة تصحح المسار، وتزيل الأخطاء، وترجع إلى الطريق الصحيح، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ولا تعتذر يا أخي بكثرة خطاياك، فلو كانت كزبد البحر ما بالى الله بها، إذا اتجهت إليه قصداً، وإذا انطلقت إليه ركضاً، إن الخطأ القديم لا يجوز أن يكون عائقاً أمام التوبة الصادقة، يقول ربنا عز وجل -وهو يخاطب أصحاب الأخطاء الكبيرة، المسرفين على أنفسهم، يقول فيهم ويدعوهم بدعاء وبنداء العبودية ويتحبب لهم- في سورة الزمر: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر:53] أسرفوا على أنفسهم بالذنوب والخطايا.
{لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] إذاً: ماذا نعمل؟ قال: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:54 - 55] ما هو العذاب الذي يأتيك بغتة إذا كنت عاصياً؟ إنه الموت، هل يرسل الموت إنذارات قبل أن يأتي؟! لا.
بل يركب الرجل منا سيارته ولا ينزلونه منها إلا ميتاً.
ويلبس ثوبه ولا يَخْلَعُ ثوبه هو، بل يُقَطَّع ثوبُه من عند أزراره، إي نعم هذا معناه: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى} [الزمر:56 - 59] اسمعوا هنا! بلى للإضراب، بلى أنت كذاب أيها العبد: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:59] لا تكن المعاصي عائقةً، فتقول: والله، أنا كثير الذنوب.
فإذا كنتَ كثير الذنوب؟! إذاً: فالله كثير المغفرة.
تقول: ذنوبي عظيمة؟! فالله مغفرته أعظم من ذنوبك، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم لقيت الله مستغفراً غفر الله لك، لو كانت ذنوبك كزبد البحر، أو كعدد الرمل، أو كعدد قطر السماء، فرحمة الله أوسع: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] فقط حوِّل (الموجة)، هذا الذي نريده منك، الماضي هذا كله يغفره الله لك، بتبعاته ومسئولياته وما فيه من أخطاء، كلها يبدلها الله لك حسنات، فهل يوجد أعظم من هذا يا أخي؟! أي فضل أعظم من هذا! إذا غفر الله لك فهذه كرامة؛ لكن كونه يغفر لك وتكون عليك (مليون) سيئة، فيحولها الله لك (مليونَي) حسنة، فهذا فضلٌ لا يضيعه إلا خاسر لا خير فيه، والعياذ بالله.
وأيضاً: مع أن الله يغفر لك يفرح بك! ففي الحديث الذي في صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (لَلَّهُ أشد فَرَحاً بتوبة عبده من رجل كان في فلاة -مسافر- ومعه راحلته، وعليها زاده وماؤه، فضلت عنه، وبحث عنها فلم يجدها، فلما يئس منها استسلم للموت، وأتى إلى تحت شجرة، وانطرح تحتها ينتظر الموت -انتهى! ليس من وسيلة للنجاة! - وبينما هو نائم ينتظر الموت إذا بناقته تعود وتقف بين يديه، فلما فتح عينيه وجدها -ما معنى هذا؟! معناه أنه وجد الحياة- قام فَرِحاً وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك)، لم يعرف أن يتكلم؛ لأنه كان موقناً بالموت والهلاك، والآن أعاد الله له وسائل الحياة، فأخطأ من شدة الفرح.
فاللهُ يا أخي يفرح بتوبتك أعظم من فرحة هذا الرجل بعودة ناقته! أفلا تُفْرِح ربك؟! ألا تريد أن يفرح ربك بك يا أخي؟! تريد الشيطانَ عدوك أن يفرح بك، لتكون عبداً وحماراً له، يركب على ظهرك ورقبتك، ويسوقك إلى جهنم، ثم يقذفك فيها، ثم يتخلى عنك في النار ويقول: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم:22] ما أخذتك بكتاب ولا بعصا: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22] * {فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22] خزي والله أعظم خزي! أيُّ مجد وأيُّ عَظَمَة أعظم من أن يفرح بك ربُّك، ويكرمك ويحفظك في الدنيا، ثم يدخلك الجنة في الآخرة؟ أخي في الله: ألا يُبْهِرك هذا الترحيب، وهذه الفرحة من ربك؟! أترى سروراً أو فرحةً تعدِل هذه البهجة الخالصة من الله عز وجل؟!