إن الإنسان -أيها الإخوة والله الذي لا إله إلا هو- لَهُو أحوج ما يكون إلى التنقيب والتفتيش في أرجاء نفسه، وتَعَهُّد حياته، وإجراء الصيانات لها من العلل والأمراض والآفات.
ما السبب؟! السبب أن الإنسان قلَّما يبقى متماسكاً، فلا بد له من تثبيت، السيارة التي تمشي دائماً في المطبات تتخلخل وتتحلل مساميرها (وصواميلها) وتحتاج منك أن تجري لها بين فترة وأخرى إعادة تثبيت وتوازن وفحص دوري لتَفَقُّد أجزائها، ونحن واقعيون مع سياراتنا، فلا يمكنك أن تجدد الاستمارة حتى تفحص السيارة.
لكن هل فحصنا قلوبنا؟! هل فحصنا جوارحنا؟! هل أعدنا التدقيق مع أنفسنا؟! نفحص أجسادنا، ونجري فحصاً كاملاً للجسم: فحصٌ للعينين؛ وهل هي سليمة! فحصٌ للرئتين؛ ومدى قوة التهوية فيهما! فحصٌ للكبد.
فحصٌ للأمعاء.
لكن القلوب التي في الصدور لم نجرِ لها فحصاً! إن حِدَّة الاحتكاك، وضغط الشبهات، وضروب الشهوات تؤثر في النفس، فإذا غفل الإنسان عن نفسه، وترك عوامل الهدم تنال منها، فسوف تقضي عليه لا محالة، وينفرط عليه أمره، ويكون شأنه كمن قال الله فيه: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] فكثير من الناس الآن أمره فُرُطٌ؛ لماذا؟! لأنه غافل عن الله، والله يقول قبل هذا: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] ينفرط عليه دينه فلا يجمعه، يضيع صلاته، يضيع عقيدته، يضيع الزكاة، وإذا قلت له: الصلاة! قال: يا شيخ، نحن مشغولون! - الزكاة! - يا رجل -الله يهديك- أنت ما زلت تريد زكاةً، الناس عندهم (مليارات)، ونحن ماذا عندنا؟ نحن ليس معنا شيء! - والحج! يقول: الحج زحمة، وحَرٌّ هذه السنة.
- والعمرة! يقول: العمرة، نحن قد أدينا، العمرة تكفي مرة.
- والصوم! - الله المستعان! - ويذهب ليصوم في (كازابلانكا)، أو في (تايلاند)، ويحج، ويأتي بعمرة! لا إله إلا الله! فهذا مفرط! اليوم وأنا في الفندق نائم ضرب الجرس عليَّ شخص، وأنا في ساعة استغراق النوم، الساعة الثالثة، وهو أحسن وقت، وإذا بالهاتف يدق، قال: ألوه.
قلت: نعم.
قال: طائرة (بومباي) متى تقلع؟ قلت: من تريد أنت؟! قال: الخطوط السعودية؟! قلت: لا يا رجل، أنا في الفندق، أين تريد أنت؟! قال: أريد (بومباي).
قلت: لماذا؟! ماذا في (بومباي)؟! تريد عمرة؟! تحج؟! قال: لا.
فقط نوسِّع الخاطر.
قلت: والله تضيِّق الخاطر أيها الأخ! والله يضِيْق فكرك وبالك بمعصية الله، وغضب الله وسخطه، هناك ذنوبٌ وآثامٌ حماك الله منها، وتحجز بالطائرة من أجل أن تذهب لتتمتع وتراها وتوسِّع البال.
الله أكبر! كيف يتَّسع فكر مسلمي هذا الزمان بمعصية الله؟! إن القلوب تنعكس، والنفوس تنقلب حين ترى أن معصية الله توسيعٌ للبال! إنا لله وإنا إليه راجعون!