هذه -أيها الإخوة- آثار قوة الروح وتلك آثار قوة الجسد، ونحن مأمورون بالأخذ بالقوتين مع التغليب والتركيز على جانب قوة الروح، فإن قوة الجسد تنفعنا في الدنيا، أما قوة الروح فتنفعنا في الدنيا، وتنفعنا في الموت، وتنفعنا في القبر، وتنفعنا في الحشر، وتنفعنا إلى أن ندخل الجنة، فلنركز -أيها الإخوة- على هذا الجانب.
قد يقول قائل: قوة الجسد معروفة، أني آكل طعاماً نظيفاً، أريح الجسد في رياضة وحركة، نقول: حسناً، لكن قوة الروح كما تأكل لجسدك طعاماً نظيفاً يجب أن تقدم لروحك طعاماً نظيفاً مثلما تحمي جسدك، إذ لو وجدت برتقالاً فيه فساد ما أكلت، أو تفاحة فيها عفن فلن تأكلها، أو لحمة فيها سوس أو دود لا تأكلها، أو لبن انتهى وقت استعماله لا تشربه، وكذلك الروح إذا أكلتها الربا هدمتها، وإذا قدمت لها المعاصي دمرتها، روحك هذه تحتاج إلى حماية من الخبائث، وتحتاج إلى تقوية، مثلما تقوي جسمك بالحركة والسير والرياضة تقوي روحك أيضاً بالطاعة: بقراءة القرآن وهو أهم ما نوصي به عباد الله، أهم ما نوصي به الناس تلاوة كتاب الله، فإن كل ضلال وفساد سببه البعد والغفلة عن الله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء:1 - 3].
فتقرأ القرآن وتجعل لك ورداً يومياً منه، وتقرأ السنة وتحافظ على الصلوات الخمس في بيوت الله، تقيم الصلاة، تؤتي الزكاة، تصوم رمضان، تحج البيت، تعتمر، تحب في الله وتبغض في الله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، تطيع والديك وتبرهم، تصل رحمك، تحسن إلى جيرانك، هذا مع حفظك للجوانب الأخرى وهي المعاصي، يعني: حماية وبناء، فإذا حميت دينك وبنيته كنت بذلك قوي الجسد والروح، وبعد ذلك تعيش حياة الكرامة والعزة، ويوم تموت تلقى الله عز وجل وأنت قوياً صحيحاً سليماً: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].
انظروا كيف ذكر الله عز وجل أنه الذي ينفع في الآخرة ليس الجسد، الذي ينفع هو القلب {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] الذي يموت وقلبه سليم يدخل الجنة؛ لأنها دار السالمين، والذي يموت وقلبه مريض لا بد من تصفيته وتطهيره بالنار، في المستشفى الذي علاجه النار: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:88 - 104].
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا إيماناً يقينياً وعملاً صالحاً، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يحمينا من المعاصي والذنوب والشرور والآثام، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.