أما أولئك الذين غفلوا عن الله وعاشوا حياتهم -والعياذ بالله- في البعد عن الله؛ فهؤلاء عند الموت تنكشف لهم الحجب، وتزول عنهم الأغطية، ويرون الحقائق كما هي على حقيقتها، فيندمون وتتقطع قلوبهم حسرات وندامات، ويقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] قال الله تعالى لهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37] وبعد ذلك تقول الملائكة: (يا أيتها الروح الخبيثة! كانت في الجسد الخبيث، اخرجي إلى سخط من الله وغضب) وأنتم ترون هذا في الإنسان البعيد عن الله وأن الخبث يلازمه في كل شيء، حتى لسانه خبيث، عينه تقع في الخبيث، أذنه تسمع الخبيث، يقع في الخبيث، يمشي في الخبث، وإذا فرض أنه جاء مرة في مجتمع نظيف فإنه يضيق ويزهق؛ لأنه جرثومة، والجراثيم لا تعيش في الأماكن الطاهرة والمعقمة، لا تعيش إلا في الأماكن الموبوءة والقذرة، المجتمع الطاهر النظيف يعيش فيه المؤمن كأسعد ما يكون، أما إذا جاء فيه منافق فإنه يضيق منه، يقول: ما هذا! لماذا لا يوجد زنا، ولا خمور، ولا فجور، ولا تمرد، ما هذا! كيف تعيشون على هذا الأمر؟ هذا (أبو جعران) لا يريد أن يعيش في الطهارة يريد من قذارته وجيفته -والعياذ بالله- ومستنقعه! يريد قذاراته ليتلطخ بها، فهذا خبيث، وهذا يوم يموت تقول له الملائكة: (يا أيتها الروح الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي إلى سخط الله وغضبه، فتخرج روحه) وبعد ذلك يحصل لها سؤال في القبر: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فلا يجيب، ويأتيه عمله على أسوأ شكل -والعياذ بالله- فما عمله؟ يتجمع الخبث كله، الربا والزنا، والغناء والفجور، والمال والزور كلها تأتي معاً، ويأتيه على أسوأ شكل ويقول له: (أبشر بالذي يسوءك، قال: من أنت فوجهك الذي يأتي بالشر؟ قال: أنا عملك السيئ، ضيعتني فضيعك الله) ثم يعذب في القبر فترة البرزخ إلى أن يقوم يوم القيامة، ويقوم من قبره مذهولاً خائفاً وجلاً تغشاه الذلة والمهانة، يرد على مراحل القيامة فيسقط عند كل مرحلة، يمر على الصراط فيسقط، ويرد الحوض فيطرد، ويوزن فيخف، ويأخذ كتابه بشماله، ثم بعد ذلك يسحب في النار على وجهه، يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:48 - 49].