قال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم، كبلتك خطيئتك.
وقيل لـ ابن مسعود رضي الله عنه: [لا نستطيع قيام الليل، قال: قيدتكم خطاياكم].
قال الأصمعي: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا أطوف حول الكعبة الشريفة في الليل وكانت ليلة قمراء، إذ أنا بصوت حزين، فاتبعت الصوت فإذا أنا بشاب حسن الوجه ظريف الشمائل عليه أثر الخير، وهو متعلق بأستار الكعبة، وهو يقول: إلهي وسيدي ومولاي، غارت النجوم ونامت العيون وأنت ملك حي قيوم، إلهي أغلقت الملوك أبوابها، وقامت عليها حجابها، وبابك مفتوح للسائلين، وها أنا سائل واقف مذنب ببابك مسكين ثم قال في أبيات له:
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا وأنت يا حي يا قيوم لم تنم
أدعوك ربي حزيناً راجياً فرجاً فارحم بكائي إله البيت والحرم
أنت الغفور فجد لي منك مغفرة واعطف عليَّ بفضل الجود والكرم
إن كان عفوك لا يرجوه غير تقي فمن يجود على العاصين بالنعم
قال: ثم رفع رأسه إلى السماء وهو يقول: إلهي وسيدي ومولاي أطعتك بمنتك فلك الحمد عليَّ، وعصيتك بجهلي فلك الحجة عليّ.
قال الأصمعي: فكان يردد هذا الكلام حتى وقع على الأرض مغشياً عليه، قال: فدنوت منه ورفعته فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، قال: فرفعت رأسه فإذا هو يبكي، فبكيت لبكائه فوقعت قطرتان من دموعي على خده فأفاق.
وقال: من هذا الذي شغلني عن ذكر مولاي؟.
فقلت: أنا الأصمعي، فما هذا البكاء وما هذا الجزع، وأنت من أهل بيت النبوة أليس الله يقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33].
قال: هيهات هيهات يا أصمعي، إن الله خلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه وإن كان حراً قرشياً، أما سمعت قول الله عز وجل: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [المؤمنون:101 - 102] يعني: بالعمل الصالح {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:101 - 104].
إخواني: هذه الحياة منهل يرده الناس كلهم ويختلفون فيما يردون ويريدون: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60].
فالمحب لربه يتلذذ بمناجاة محبوبه.
والخائف على ذنبه يتضرع بين يدي مولاه ويبكي على ذنوبه.
والراجي يلح في سؤال مطلوبه.
والغافل المسكين أحسن الله عزاءه في حرمانه وفوات نصيبه.