كيف تكون خاشعاً في صلاتك؟ للخشوع في الصلاة أسباب قبل الصلاة، وأسباب أثناء الصلاة، وأسباب بعد الصلاة.
فالذي قبل الصلاة: أن تأتي مبكراً وتصلي ركعتين تحية المسجد أو السنة القبلية وتقرأ القرآن وتتهيأ، ويسمونها عملية إحماء لكي تدخل في الصلاة وأنت جاهز، لكن أن تقعد في البيت حتى تقام الصلاة ثم تأتي من هناك وأنت متعب فكيف ستخشع؟ وبعضهم إذا دخل والإمام في الركوع صاح عليه من عند الباب: (إن الله مع الصابرين) لا ترفع ظهرك، دعني ألحق هذه الركعة -أعوذ بالله من الخزي- أليس هذا موجود الآن؟ وتراه من باب المسجد يلقي بأحذيته كأنه مجنون، هل يفعل هكذا إذا دخل على أمير أو وزير أو على ملك؟ الذي يذهب الآن ليسلم على الأمير أو الوزير ماذا يعمل؟ يجلس ساعتين وهو ينتظر، فلو دخل المجلس بهذه الطريقة ماذا يقال عنه؟ هذا مجنون ويمسكونه ويطردونه ويقولون له: أنت لا تعرف أين تذهب.
زيد بن علي بن الحسين كان إذا توضأ اصفر لونه، فيقال له: ماذا بك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من سأقف بعد قليل، كانوا يضطربون ويخافون.
أحد السلف وهو من التابعين - حاتم الأصم - كان من أخشع عباد الله في الصلاة وكان يقول: لأن تختلج الأسنة في ظهري أحب إلي من أن أذكر شيئاً من الدنيا في صلاتي، يقول: تطعن في ظهري السهام ولا أذكر شيئاً من الدنيا في صلاتي، قالوا: كيف تصنع؟ قال: إذا سمعت نداء ربي توضأت ثم أقبلت على مسجدي فأقف بين يدي ربي فأتصور أن الجنة عن يميني والنار عن يساري والكعبة أمامي والصراط تحت قدمي وملك الموت خلف ظهري يريد أن يقبض روحي بعد هذه الصلاة، من يضمن منا أنه سيصلي الفجر أو يصلي العشاء؟ لا أحد يضمن! صل صلاة مودع، يقول: ثم أكبر بتحقيق: الله أكبر.
ولهذا لا داعي لأن أذكر شيئاً مع الكبير سبحانه، إذا كان الله أكبر في قلبي إذاً لماذا أذكر الدنيا؟ الله أكبر، يقول: وأقرأ بترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأجلس في طمأنينة، وأتشهد في يقين، وأسلم في حذر ورجاء، ولا أدري أقبلت مني صلاتي بعد هذا أم ردت علي.
فالخشوع في الصلاة مطلب رئيسي يتوقف عليه قبول صلاتك أو رفضها، وما دمت قد تعبت وجئت إلى المسجد وتوضأت وتركت شغلك وقمت تصلي فجاهد الشيطان، كلها عشر دقائق.
الآن سنصلي العشاء ونعمل اختباراً لأنفسنا، سيأتيكم الشيطان ويأتيني، لكن الشخص إذا جاءه الشيطان يتذكر ويشغل نفسه بالتفكر في الآيات التي يقرأها الإمام ويقرأها هو، والتفكر في الأذكار ويجاهد الشيطان، ثم بعد الصلاة -بعد العشاء- الذي عنده وسوسة يوسوس إلى الفجر، لكن لا.
لا تأتي الوسوسة إلا في العشر الدقائق وبعدها لا يوجد وسوسة.
السبب الثالث حتى تكون الصلاة صحيحة: أن تكون في المسجد؛ إذ لا تقبل صلاة الرجل إلا في المسجد إلا من عذر مرض أو خوف، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الجماعة شرط في صحة الصلاة بمعنى: أن الذي لا يصلي في المسجد وهو قادر وليس هناك مانع من خوف أو مرض أن صلاته غير صحيحة ويستدل على ذلك بأدلة قوية.
الأمر الرابع: أن يكون للصلاة أثر في حياتك ولا يكون عندك انفصام بين الصلاة وبين السلوك؛ لأن الله شرع الصلاة لكي تنهانا عن الفحشاء والمنكر: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] فلا يصلح أن تصلي في المسجد ثم تخرج تبارز الناس، تصلي وتكذب! تصلي وتغتاب! تصلي وتأكل الحرام وتشهد زوراً وتغش وتخون الناس، أين الصلاة؟! ما قيمة الصلاة إذا كانت الصلاة في وادٍ وسلوكك في وادٍ ثان؟! المصلي لابد أن يعرف في المسجد بصلاته وفي المجتمع بسلوكه، هذا مصلٍ لا يستطيع أن يكذب لكن إذا كان يصلي ويقع في الفحشاء فهو في الحقيقة لم يصل وإنما أدى دوراً تمثيلياً، والممثل غير الحقيقي، الممثل ممثل يؤدي دوراً مثل المسرحية، وهذا -أيضاً- ممثل، ولو أنه يصلي حقيقة لمنعته صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45].
الأمر الخامس وهو مهم جداً: أن تكون الصلاة قضيتك وشغلك مع نفسك وزوجتك وولدك وابنتك وعمالك وموظفيك، الصلاة هي عندك فوق وما معك إلا هي، وتحاسب الناس عليها وتقيمهم على قدر ما يحافظون عليها، كما قال عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132] وكما أثنى الله على إسماعيل، فقال: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:55] عندك عمال؟ حاسبهم على الصلاة، الذي لا يصلي أعطه خروجاً بلا عودة إلى يوم القيامة، لا يرجع ما دام أنه لا يصلي؛ لأنه كافر.
عندك أولاد؟ حين تدخل البيت تسأل ولدك: هل صليت؟ وتسأل المرأة: هل تصلي؟ عندك موظفون وأنت رئيسهم تقول لهم: هل صليتم؟ لا.
الذي لا يصلي ليس له عندي قيمة، الذي يخون صلاته هذا يخون عمله، الصلاة لك وليست لي، لكني أعينك على أدائها، والذي لا يصلي تجعله في آخر اهتمامك، يريد إجازة، تقول له: لا يوجد إجازة، يريد رخصة لا يوجد رخصة، كل ساعة وأنت على رأسه، إذا غاب حاسبه، لماذا؟ تربيه لكي يصلي، وذاك الذي يصلي تتجاوب معه وتعطيه تقديراً خاصاً؛ لأنه يصلي، وطبيعي إذا كان مصلياً سوف يكون طيباً في العمل.