من علامات الساعة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم والتي وقعت ولا تزال تقع بشكل مستمر: الفتن: والإنسان الصالح المستقيم على الإيمان والدين، والأمة التي تأخذ منهجها من كتاب الله الكريم، هذا الإنسان وهذه الأمة تُبتلى ويُبتلون، وقد يثور البلاء من داخل الأمة، بسبب الأهواء والخصام والفرقة، وقد يتمثل هذا البلاء في عدو حاقدٍ من غير الأمة الإسلامية يجتاحها ويستذلها، وقد يصل الخصام والفتنة إلى حد القتال وامتشاق السيوف، وإزهاق الأرواح، وهناك تسيل دماء، وتُسلب الأموال، وتُنتهك الحرمات، وقد أطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على كثير من البلايا والفتن التي ستقع في مقتبل الزمان في هذه الأمة.
ولذلك أطال صلى الله عليه وسلم وأسهب وأكثر في تحذير الصحابة وتحديثهم من الفتن.
يقول أبو زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنه -والحديث في صحيح مسلم - يقول: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر يوماً، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى أذن الظهر -انظروا مدة الخطبة يا إخواني، ما قالوا: أطلت علينا، وأزهقتنا، لا.
من الفجر إلى الظهر وهو يخطب بهم- يقول: ثم نزل، فصلى بهم الظهر، ثم صعد المنبر، فخطبنا، حتى دخل وقت العصر، ثم صعد المنبر -بعد صلاة العصر- فخطبنا حتى غربت الشمس -من الفجر إلى المغرب، وهم جلوس وهو يخطب عليهم صلى الله عليه وسلم- فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة، وأعلمنا أحفظُنا) يقول: أعلمنا الذي حفظ الكلام؛ لأنه لا توجد مسجلات، ولا يوجد أحد يكتب، وإنما كانت قلوب الصحابة أوعية لهذا الدين حفظوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا المقام نفسه يُذكر ويُنقل؛ لكن من طريق حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، والحديث أيضاً في صحيح مسلم، يقول حذيفة: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً، ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدَّث به، حفِظه مَن حفِظه ونسيَه مَن نسيَه، ثم قال: إنه يكون منه الشيء قد نسيته، فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم لقيه فعرفه بعد أن يراه).
وقد بلغ من شدة هذه الفتن أن أخبر صلى الله عليه وسلم أنها كقطع الليل المظلم، والحديث في صحيح الجامع، ذكره السيوطي أنه صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح المرء مؤمناً، ويمسي كافراً) لا إله إلا الله! كيف يسهل على الناس تغيير عقائدهم وغسل أدمغتهم من كثرة الفتن، وهذا واقع الآن، من الشباب من يجلس خمس دقائق مع مجرم ملحد، يُسْمِعه شريطاً أو ينقش في قلبه شبهةً -والعياذ بالله- فيسلخه ويقوم، وإذا به لم يعد يصلي، فيكفر بالله.
(بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح المرء مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً) بعد سمرة فقط، على ورق، أو على بلُّوت، أو على فيلم، لم يعد يصلي الفجر، وينتهي (يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل) والحديث رواه أحمد والترمذي، وهو صحيح.
وفي حديث أنس أيضاً قال: (يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح المرء مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا) ذكره الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.