ندمهم وحسرتهم

لا إله إلا الله! وحين يرون هذا المصير ويتذكرون الذي أوردهم هذه الموارد، وإذا بهم يراجعون أنفسهم ويقولون: إنها المعاصي والذنوب، والكفر، والتكذيب، فيحصل عندهم حسرة وندامة تقطع قلوبهم؛ لذا سمى الله يوم القيامة بيوم الحسرة؛ لأن فيه حسرة ليست بعدها حسرة، يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [مريم:39] أنذرهم يوم الحسرة، وقد أنذرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحسرة وصاح في يوم من الأيام كما في الحديث أنه قال: (أنذرتكم النار أنذرتكم النار أنذرتكم النار).

وتصل درجة الحسرة عند الإنسان إلى درجة أنه يأكل يديه من بنانه إلى كتفه، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:27] * {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:28] * {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:29] وبعد هذه الحسرات والندم وأكل اليدين يعيد الله له يده الأولى وهكذا.

وفي تلك اللحظة يحصل عندهم يأس وإبلاس، والإبلاس هو غاية اليأس، يعني: عدم الرجاء، أي: لا يسلمون من هذا المصير، ولهذا يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم:12] وسمي إبليس؛ لأنه أبلس من رحمة الله، قال الله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:78] فليس عنده أمل بأنه ينال هذه الرحمة؛ ولذا سمي إبليس من الإبلاس، وهؤلاء يوم القيامة يبلسون أي: تتقطع آمالهم وينقطع رجاؤهم وييأسون من رحمة الله، وهذا أعظم العذاب؛ بأن ينقطع الرجاء، فالرجاء يجعلك على أمل.

مثلاً: سجين يقولون له: هناك أمل أنك تخرج في يوم كذا وكذا، فيبعث في قلبه الطمأنينة، أما إذا قيل له: حكم عليك بالسجن المؤبد، كيف سيكون حاله؟ تجد أنه انقطع الأمل عنه ويحصل عنده اليأس، ويمر عليه اليوم كسنة؛ لأنه لا يوجد أمل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015