أما نظافة المساكن والبيوت فقد حث الإسلام على الاهتمام بها والعناية بشأنها، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد: (أصلحوا رحالكم -أي: مساكنكم- ولباسكم حتى تكونوا في الناس كأنكم شامة).
ومن ضمن وسائل الاهتمام بالمساكن إصلاحها وتفقدها، وحسن تصميمها وتهويتها وإضاءتها وتعريضها للشمس، وكنسها وتطهيرها من الحشرات المؤذية، وتخليتها من الفضلات والقمامات، ولقد حذر عليه الصلاة والسلام من كل ذلك كما هو شأن اليهود، يروي البزار في مسنده حديثاً يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفناءكم وساحاتكم ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكب في دورهم) والأكب: هي الفضلات والكناس والقمامة التي تتجمع في البيت، فبعض الناس عنده زبالة في بيته مجتمعة منذ أسبوع، خاصةً إذا كان (عزوبياً) فيتولد عن هذه التجميعات ميكروبات وفضلات، فالمفروض أن تغيرها مرة في اليوم، أو مرتين في الصباح والمساء؛ لأنه يأتي عليها الذباب والبعوض والحشرات والصراصير، ويترتب على هذا فساد صحتك وتعريضك للمرض.
كما أوجب الإسلام على المسلم المساهمة في نظافة الطريق وعدم إلقاء الفضلات فيها، فليس من الإسلام وأنت ماشٍ أن ترمي المنديل في الشارع، فمن يأتي ويأخذه؟ تقول: البلدية، وأنت ما هو دورك؟ دورك أن تحمي الشارع من هذه الفضلة، فلا ترمِ المنديل، ولا تبصق، وإذا بصقت في منديل فاجعله في جيبك إلى أن تصل إلى القمامة وتضعه فيها، ولا ترمِ علبة (البيبسي) والماء، أو قشور البرتقال أو الموز أو التفاح، لا ترمِ أي شيء من الفضلات في الشارع، لماذا؟ لأن إماطة الأذى عن الشارع والطريق صدقة، ومفهوم الحديث: أن وضع الأذى في الطريق معصية، فأنت تعصي الله بهذا الأمر، ولو أن الناس كلهم فعلوا هذا ما كنا نحتاج إلى البلدية، لكن الله المستعان، شخص يبني وآخر يهدم، والذي يبني يتعب أما الذي يهتم، فإنه يرمي ولا يهمه، يقول:
أرى ألف بانٍ لا يقوم لهادم فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم
وإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، يقول عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) وكان بعض السلف يخرج إلى الأسواق ليس له عمل إلا أن يميط الأذى عن الطريق، فيلتقط المسامير والزجاجات والحجارة والأخشاب، وإذا أخذه قال: لا إله إلا الله، قالوا: مالك؟ قال: أريد أن أجمع بين أعلى درجات الإيمان وشعبه وبين أدناها، يأخذ فيقول: لا إله إلا الله، فيأتي بأعلى شعب الإيمان وهي لا إله إلا الله، وأدنى شعب الإيمان وهي إزالة الأذى عن الطريق.
كما حرم الإسلام البصاق في المسجد والسوق والأماكن العامة ووسائل المواصلات، وفي الطرق التي يغشاها الناس، ففي صحيح البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (البصاق في المسجد خطيئة -يعني: معصية- وكفارتها دفنها) والدفن كان كفارة يوم أن كانت المساجد من التراب والرمل، فما هناك وسيلة إلا أن تدفنها، لكن الآن إذا بصق الإنسان على الفراش لا يوجد دفن لها؛ لأن الدفن يؤدي إلى التلويث، ولا بد من إزالتها وغسل الموضع الذي وقعت فيه؛ لأنه سيأتي من يضع رأسه يصلي، وقد يشم بأنفه موقع بصاقك، ويكون في بصاقك ميكروب أو مرض فينتقل إليه وهو لا يدري، فأنت الذي غششته وخدعته؛ لأنه جاء ليؤدي عبادة وأنت أعطيته هذا المرض وهذا الوباء -والعياذ بالله- فلا يجوز للمسلم أن يبصق في المسجد.
كما حرم الإسلام التبول والتبرز في المياه والظل والأماكن التي يجلس فيها الناس ويرتادونها مثل أماكن النزهة، فإذا خرجت إلى مكانٍ فينبغي عليك أن تحرص على أن تترك الموقع مثل ما جئت إليه؛ لأن بعض الناس يأتي ويجلس ويستمتع تحت شجرة أو في مكان أو في منتزه، فلا يقوم إلا وقد ترك المكان وقذراً وملطخاً بكل الأوبئة والأمراض والفضلات -والعياذ بالله- بترك حفاظات أطفاله وقاذوراتهم، وأيضاً فضلات طعامه، لا يا أخي! إذا جاء شخص بعدك ورأى المكان هكذا ماذا يقول؟ يدعو عليك ويقول: الله أكبر عليك! الله يجعلها في وجه هذا الوسخ الذي جلس هنا؛ لأنك يوم أن جئت ووجدت المكان نظيفاً فرحت، ولو وجدته قذراً لانزعجت، فعليك أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، يقول عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في المورد، وقارعة الطريق، وفي الظل) وسميت ملاعن لأنها تسبب لصاحبها اللعنة، إذا جاء واحد وأراد أن يجلس تحت شجرة فتلفت وإذا تحتها نجاسة فماذا يقول؟ يقول: لعن الله من وضعها، هكذا تستحق: (اتقوا الملاعن)، إنه يريد أن يجلس، وإذا بالأذى بجانبه فتسببت في طرده من هذا الموقع، لأنه لا يقدر على الجلوس والأذى بجانبه، الظل ليس لك لوحدك يا أخي! بل هو حق لكل مسلم يستظل فيه، والطريق إذا مشى فيها ماشٍ وهو آمن وإذا برجله تقع في النجاسة، فمن حين يقع فيها وهو يلعن، يقول: لعن الله من وضع هذه، فهذا يستحق: (اتقوا الملاعن الثلاثة) لماذا؟ لأنها تسبب لصاحبها اللعن، كما أن الشخص الذي يتخلى في الطريق العامة والظل يعتبر ساقط المروءة، يؤذي المسلمين، ويستوجب سخطهم، وتتوجه إليه لعائنهم، فقد روى البيهقي في السنن يقول: (من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم)، والعياذ بالله!