ومن اهتمام الإسلام بنظافة الجسم ما شرعه لأتباعه من سنن الفطرة، وهذه غير موجودة في أي أرض إلا عند المسلمين، ففي الصحيحين: (خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد -يعني: حلق العانة- وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط)، وهذه فضلات، فمن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأشياء لولا أنه رسول من عند الله، وقد وصل الطب في زماننا إلى نظافة متناهية لكنهم يتركون هذه الأشياء فيقعون عن طريقها في أمراض كثيرة.
وإليك تفصيل سنن الفطرة الخمس: الختان: وهو إزالة القطعة اللحمية الموجودة على رأس قضيب الرجل؛ لما يترتب على بقائها من وجود أقذار وأوساخ تأتي عن طريق خروج البول، فحرص الإسلام على إزالتها؛ ليكون العضو قابلاً للتطهير والتنظيف بسهولة، لكن بوجودها تبقى الفضلات، ولذا فأكثر الأمراض الجنسية في العالم موجودة في الأعضاء التناسلية في الرجل والمرأة بأسبابٍ منها وجود هذه القلفة وعدم الختان، أما المسلم فإنه بالختان يجنب نفسه جميع هذه الأمراض، والحمد لله.
الاستحداد: وهو حلق شعر العانة؛ لأن وجود الشعر في تلك المنطقة وقربها من النجاسات، يؤدي إلى نمو بعض الحشرات، ووجود بعض الحبيبات، فلو لم يحلق لترتب على وجود ذلك مفاسد وأضرار صحية.
نتف الإبط: فالإبط منطقة مغلقة دائماً عن طريق إرخاء العضد على الجنب، ويترتب على وجود الشعر في هذه المنطقة صعود روائح كريهة، ثم يصير عفناً، ويترتب على العفن نمو ميكروبات وفطريات وأمراض، فجاء الإسلام وأمر بنتف الإبط.
وأيضاً تقليم الأظافر، فالله أوجد الأظافر لحماية الأصابع، إذ لو لم يكن معك ظفر لما عرفت كيف تعيش بإصبعك، فالظفر له أهمية كبيرة في حماية الإصبع، وفي نفس الوقت تجديد قوتها، وأيضاً الاستعانة على لقط الأشياء به، ولكن إذا طال تجمعت الجراثيم والميكروبات تحته، ثم إذا جئت تأكل انتقلت الميكروبات إلى فمك، وبالتالي إلى جسمك وترتب على هذا مرض، فجاء الإسلام وجعل من الفطرة تقليم الأظافر.
ولكنا نرى أن الناس اليوم يصادمون الفطرة، ويغالبون سنن الله، فتجد بعض النساء إذا رأيتها كأنها قطة -والعياذ بالله- تطيل أظافرها ثم تصبغها بالمادة الحمراء كأنها قطة كانت تخمش لحماً، فتتقزز نفسك من منظرها، ثم أيضاً تضع على شفتيها حمرة حمراء كأنها كانت تلعق الدم، فإذا نظرت إليها قلت: ما هذه القطة التي تخمش بأصابعها وتلعق بفمها؟! هي تبحث عن الجمال والحقيقة أنه قبح؛ لأن الجمال شيء آخر غير هذا، فإطالة الأظافر مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً: قص الشارب بحيث يبقى على الإطار؛ لأن إطالة الشارب يؤدي إلى أنك إذا شربت لبناً أو ماءً أو غيره تلوث هذا المشروب بانغماس الشارب فيه؛ لأن شعر الشارب قد يكون محملاً بالجراثيم والميكروبات العالقة في الأجواء أو النازلة من أنفك؛ لأنك عندما تمتخط أو تستنثر تخرج هذه الميكروبات وقد يعلق شيء منها في شاربك، وإذا جئت تشرب وقعت في اللبن أو في الماء أو في المرق وشربته بسبب طول شاربك، فقص شاربك وأعف لحيتك كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الناس نكسوا الفطرة، فالنساء قلبن المسألة في أصابعهن، والرجال قلبوا الحكم إلى لحاهم، فحلقوا اللحى وأرخوا الشوارب، ترى شارب الواحد طويلاً تقول: ما هذا؟ قال: شنب، لماذا تطلق الشارب هكذا والرسول يقول: (قصوا الشوارب) (أعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) (جزوا الشوارب) (أنهكوا الشوارب) لا بد أن تقصه.
فلا إله إلا الله! بل بعضهم مشغول بفتل شاربه، يريده أن يكبر ويقف عليه الصقر، يا أخي! طول الشارب للقطط، فهل تريد أن تتشبه بها أم تتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: قص شاربك وأعف لحيتك؟ كما حرم الإسلام وحذر من إهمال تنظيف اليد والفم من الأطعمة ذات الرائحة النفاذة والزهومة كاللحم والسمك، وكره أن ينام المسلم ورائحة الطعام وزهومة اللحم واللبن لا تزال عالقة في يده أو في فمه، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث رواه البزار: (من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) فإذا نمت ويداك فيهما رائحة لحم أو رائحة سمك، أو فمك فيه رائحة لبن أو في يديك، ثم أصابك شيء فلا تلومن إلا نفسك، لماذا؟ قال العلماء: لأن هذه الروائح تجلب الحشرات، وتجلب الآفات والقاذورات، فلهذا عليك أن تنظف فمك قبل أن تنام وتنظف يديك بالماء والصابون إن وجد، وكذلك الأسنان حتى تنام وأنت طاهر، فلا تعرض نفسك لشيء من ذلك.
وشرع الإسلام للمسلم غسل البدن كله ونظافته عند الدواعي التي تفرض ذلك، وجعل الغسل أساساً لا بد منه لممارسة العبادات، ولم يدع الغسل خاضعاً لظروف الإنسان، فقد يتكاسل الإنسان عن الاغتسال ما دامت دواعيه لم تقم، لذلك وقَّت للغسل أوقاتاً، فجعل في كل أسبوع يوماً واحداً وهو غسل الجمعة، والحديث في الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) والعلماء يختلفون في كلمة واجب هنا، هل هو الوجوب الفرضي الذي يلزم بتركه الإثم؟ أم أنه وجوب على درجة الاستحباب لأحاديث أخرى؟ والصحيح من أقوال أهل العلم أنه ليس بواجب حتمي ولكنه سنة مؤكدة ومرغب فيه، والدليل ما روى البخاري بعد هذا الحديث؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب فدخل عثمان بن عفان، فلما دخل قطع عمر الخطبة وقال: [أفي هذه الساعة يا عثمان! -تتأخر إلى أن يقوم الخطيب وتأتي- قال: ما هو إلا أن توضأت وجئت -يعني ما اغتسلت- فسكت عمر وسكت الصحابة] قال العلماء: إن عمر لم يأمره بالذهاب ليغتسل، فدل عدم أمره بالاغتسال على أن الأمر ليس للوجوب وإنما للاستحباب فهو مستحب.
أيضاً سن الإسلام الغسل لمن أراد الإحرام، وعند دخول مكة، وعند الوقوف بـ عرفة، وسنه لمن غسل ميتاً، كما فرضه فرضاً عند حدوث الجنابة بالجماع أو بالاحتلام، كما فرضه للتطهر من الحيض أو النفاس، ومما يؤكد حرص الإسلام على النظافة أنه ألزم المسلم بإعادة التطهر بعد الحدث حتى ولو كان الإنسان لا يزال نظيفاً، فمن توضأ ثم انتقض وضوءه بأي ناقضٍ لزمه الوضوء مرة ثانية ولو بعد لحظات، ومن اغتسل ثم وقع منه ما يوجب الغسل، فعليه الغسل مرةً ثانية ولو بعد لحظات، لماذا؟ من اهتمام الإسلام بالنظافة.
أيضاً اهتم الإسلام بنظافة الملبس وحسن المنظر، وكريم الهيئة، وجمال السمت والزي وهو شيء ملاحظ، فقد ألحق الإسلام ذلك بآداب الصلاة فقال عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]، ولفظ المسجد يدل على أن الزينة عبادة يقصد بها رضوان الله، إذ لا يستوي من يتزين للمسجد ومن يتزين للملعب أو للمنتزه، أو للمرقص، فرق بين هذا وذاك: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] إذ ينبغي لك إذا أردت أن تقف بين يدي الله أن تأخذ زينتك وثيابك الجميلة ذات الرائحة الطيبة، ثم تأتي لتقف بين يدي الله وأنت جميل الشكل طيب الريح حتى لا تؤذي المسلمين، ولا تؤذي الملائكة، ولكن وللأسف فقد قلبت المسألة عند بعض المسلمين؛ فيأتي ليصلي وهو يلبس (بجامة) النوم، ولكنه لا يستطيع أن يذهب إلى الدوام (ببجامة) النوم، ما هو رأيكم لو ذهب شخص إلى العمل وجلس على الكرسي وهو (بالبجامة) ماذا يقول عنه الناس؟ على الفور يحكمون عليه بالجنون، معقول تأتي تداوم (بالبجامة)؟ أين عقلك تأتي ورأسك عارٍ، أما أن يأتي ويصلي ويقف بين يدي الله ورأسه عارٍ و (بالبجامة) فلا أحد يقول له شيئاً، ما هو بمجنون في هذه الحالة، لكن في الحالة السابقة مجنون، يقول تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] اجعل لصلاتك ثياباً طاهرةً نظيفة تصلي فيها حتى تقف وكأنك الشامة البيضاء.
أيضاً: كان صلى الله عليه وسلم يلبس أحسن الثياب وأجملها وأنظفها، وكانت له حلة جديدة يتجمل بها ويلبسها في الجمع والأعياد، وعند مقابلة الوفود التي كانت تفد إلى المدينة، وقد شوهد مرة وهو ينظر صلوات الله وسلامه عليه إلى ركوة ماء يسوي ثيابه وشعر لحيته، وقد اتخذ من صفحة الماء مرآة فقيل له: وأنت تفعل هذا يا رسول الله؟ يعني: تنظر في المرآة فترى فيها نفسك، فقال: (إن الله يحب من عبده إذا خرج للقاء إخوانه أن يكون حسن الهيئة حسن المنظر) ثم قال: (إن الله جميل يحب الجمال) رواه الإمام مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويقول: (حبب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يكثر من استعماله صلوات الله وسلامه عليه، وكانت أردانه الشريفة تعبق ريحاً عظيماً بالطيب، وإذا مشى انبعثت رائحته الزكية لتعطر الأجواء، يقول جابر رضي الله عنه: [لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلك من هذا الطريق] يعرفون أنه مشى من أثر رائحته، إذا جاءوا بعده قالوا: مر الرسول صلى الله عليه وسلم من هنا، وكان الصحابة يعرفون قدومه صلوات الله وسلامه عليه بشم رائحة عطره الذي يسبقه من مسافة بعيدة.
ولقد اجتمع فيه صلوات الله وسلامه عليه الرائحة المادية والمعنوية، أما المادية فحبه للعطر، وأما المعنوية فإنه أكرم مخلوق خلقه الله على وجه الأرض، وكان إذا صافح أحداً بيده ظل طوال يومه يجد رائحة الطيب من مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم.