قال تعالى: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] كيف يكون غض البصر أزكى لك؟ نعم.
أزكى لك في الدنيا وأزكى لك في الآخرة، أما في الآخرة فإنك إذا غضضت بصرك عن محارم الله أطلقت بصرك بالنظر إلى وجه الله في الدار الآخرة، وهل بعد هذا نعمة؟ هل هناك أعظم من أن تنظر إلى الله كما تنظر إلى القمر ليلة النصف لا تضام في رؤيته كما جاء في الحديث الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته) وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22] أي: مشرقة وجميلة، تعلوها نضرة النعيم، يعلوها الجمال والبهاء، يعلوها الرضا والرضوان من الرحمن تبارك وتعالى، يقوم أهل الإيمان يوم القيامة ووجوههم مسفرة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:38 - 39] مسفرة بنور الإيمان، ضاحكة بالرضا عن الله، مستبشرة بوعد الله عز وجل: {ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:39] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] أي: مشاهدة، وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] الحسنى هي: الجنة، والزيادة هي: النظر إلى وجهه الكريم.
{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] ما يشاءون: كل ما يخطر في بالك، بل أعظم مما يخطر في بالك، يقول الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} [السجدة:17] فلا تعلم أنت ما في الجنة، فيها نساء لكن لا كنساء الدنيا، وتعلم أن في الجنة خموراً لكن ليست كخمور الدنيا، وتعلم أن في الجنة قصوراً شاهقات لكنها ليست كقصور الدنيا، وتعلم أن في الجنة ثماراً لكن ليست كثمار الدنيا، وتعلم أن في الجنة أنهاراً لكنها ليست كأنهار الدنيا، كل ما في الجنة، وكل ما خطر في بالك فالجنة بخلاف ذلك، هذا ما يشاءون: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] هذه نعمة في الآخرة، لكن لمن غض بصره في الدنيا عما حرم الله.
تريد أن تملأ عينيك بالنظر إلى وجه الله وأنت قد ملأتها وأفسدتها ونجستها بالنظر إلى الزانيات والداعرات والمتبرجات، لا يمكن أبداً، العين المريضة القذرة التي لا ترتاح ولا تطمئن إلا إذا نظرت إلى ما يحرم الله عز وجل هذه العين لا تستطيع أن تنظر إلى الله، عين مريضة، ولذا جاء في الأثر: (من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم).