نحن -أيها الإخوة- على أبواب شهر كريم، وموسم عظيم من مواسم الخير والرحمة، يتيحه الله عز وجل للمؤمنين كل عام، وفيه تفتح أبواب الجنان فلا يغلق منها باب، وتغلق فيه أبواب النيران فلا يفتح منها باب، وهذا معناه -أيها الإخوة- دعوة للناس بأن أبواب الجنة مفتوحة فتفضلوا بالدخول، ودعوة إلى أن النار لا يدخلها أحد، فالأبواب مغلقة، ولو أردت أن تدخل النار فهي مغلقة أمامك؛ لأن بعض الناس مصر على أن يدخل النار -أي: بإصراره على المعاصي وعلى الكفر- ولهذا فالباب مقفل، لماذا؟ رمضان كريم! وبعض الناس يقعد عند باب النار حتى يأتي العيد -والعياذ بالله-.
ثم تغل فيه مردة الشياطين -المردة والجن والعفاريت الذين يغوون الناس، كلهم مسجونون- قال لي شخص من الناس: أرى بعض الناس حتى في رمضان على الشر وعلى المعاصي؟ قلت: هذا لأنه هو نفسه شيطان، وأما شيطانه فإنه مسجون، لكن هو ليس مسجوناً، فأصبح مجرماً بدون شيطان -أي: هو شيطان أصلي والعياذ بالله- ثم متى تنتهي المهلة؟ تنتهي ليلة العيد، ولكن من فضل الله في رمضان أن يعود الناس للدين، فالذي ما كان يصلي في المسجد يأتي ليصلي، والذي ما كان يقرأ القرآن يقرأ القرآن، والذي كان فاسقاً تجد عنده نشوة، لماذا؟ لأن الشيطان محبوس، ويأتي الناس للعمرة، وتجد حياة للإيمان، لكن ليلة العيد يطلق المساجين -مساجين الشيطان- وحينها تعال وابحث عن الناس في ثاني العيد -صباح صلاة الفجر في ثاني يوم العيد- وانظر إلى المسجد كم يصلي فيه، مع أن المسجد في الليلة التي قبلها يوم تسعة وعشرين -أو ثلاثين- مليء بالمصلين، ولما انطلق السجناء أمسك كل واحد قرينه، قالوا: نم.
فقد انتهى رمضان، لا تصل في المسجد، ولهذا لا يصلي في المسجد إلا أولئك الذين عندهم قوة وتحرر من الشيطان.
هذا الشهر العظيم -أيها الإخوة- يضاعف فيه الأجر، ويزاد في رزق المؤمن، فمن عمل فيه حسنة كانت كمن عمل ألف حسنة، ومن أدى فيه فريضة كانت كمن أدى سبعين فريضة، وفيه يتجلى الله سبحانه وتعالى بالمغفرة على الناس ففي كل يوم يعتق ألف ألف عتيق من النار -يعني: مليون- كلهم قد استوجبوا النار، وفي آخر ليلة يعتق بقدر من أعتق من أول الشهر.
ويدعو النبي صلى الله عليه وسلم دعاء على من لم يغفر له في رمضان والحديث صحيح: (صعد الرسول صلى الله عليه وسلم المنبر يوماً من الأيام, وقال: آمين، آمين، آمين -ثلاث مرات- قال الصحابة: يا رسول الله! تقول: آمين وما سمعنا أحداً حدثك، قال: حدثني جبريل، قال لي: يا محمد! قل: آمين، قلت: آمين، قال: رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين) هذا دعاء بأن يرغم أنفه، أتدرون ما معنى رغام الأنف؟ الرغام: هو التراب المسحوق الدقيق الذي إذا وضعت يدك فيه فإنه يغبرها، رغم أنفه، أي: تمرغ أنفه بالرغام -يعني خاسر- وعندما تقول: سأضع أنفك على التراب، يعني: إهانة كاملة (رغم أنفه من أدرك رمضان ولم يغفر له) وإذا لم يغفر لك في رمضان فمتى يغفر لك؟ وإذا كان شيطانك محبوساً في رمضان وعييت إلا أن تكون شيطاناً، فسوف يأتيك شيطانك في شوال حتى تصبحا شيطانين -أنت وقرينك- وبعض الناس -والعياذ بالله- لا ينشط في الشر إلا في رمضان، بل بعضهم لا ينشط إلا في العشر الأواخر من رمضان! الناس في القيام وفي التهجد وهو على المحارم وعلى الزنا، والغناء، والفجور، بل بعضهم يقطع تذكرة سفر من أول العشر ليكمل العشر في الشر -والعياذ بالله- والفساد! بينما يأتي الناس من جميع أقطار الأرض إلى هنا ليعتمروا في رمضان! ولو ذهبت للحجز في الخطوط السعودية فلن تجد مكاناً، لماذا؟ لأن أهل الشر خرجوا لإكمال! خرجوا للعمرة ولكن في بلاد الضلال -والعياذ بالله-.
(قال: قل: آمين -الثانية- قال: رغم أنف من أدرك أحد أبويه أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة، قل: آمين، فقلت: آمين) وجود أمك أو أبيك فرصة لا تعوض وليس لها ثمن أن تدخل الجنة عن طريق برهما، من أين تأتي بأم وأب إذا مات أبوك وأمك، ما معك إلا هما، فلا تضيع فرصتك، أبوك وأمك لن يعيشا طويلاً، وهم ضيوف عندك الآن، وبهما أكرمك الله وجعل لك باباً.
يذكر أن شخصاً ماتت أمه فقعد يبكي، ولما قالوا له: يرحمك الله، أنت تعرف أن الموت حق؟ قال: لا أبكي من الموت، ولكن أبكي أن باباً من أبواب الجنة قد أقفل في وجهي.
يقول: ليس معي طريق، كان معي طريقين وقد أُغلق أحدها علي وهو باب أمي، فالله الله في استغلال هذا الباب، فإنه لو ماتت أمك أو مات أبوك وأنت غير بار بهم فستبقى حرقة في قلبك إلى يوم القيامة.
الثالث: قال: (رغم أنف من ذكرت عنده يا محمد فلم يصلِّ عليك) اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صلاة دائمة ما دام الليل والنهار وعلى آله وصحبه وسلم.
فهذا رمضان فرصتك أيها المسلم، ولقد كان السلف رحمهم الله يفرحون برمضان، فقد كانوا يسألون الله أن يبلغهم رمضان ستة أشهر، فإذا انتهى رمضان طلبوا الله ستة أشهر أن يتقبل عملهم في رمضان، فهم ما بين سؤال للقبول، وسؤال للبلوغ، أي: مرابطة على رمضان المبارك، يفرحون برمضان لاعتبارات: أولا: لصيامه.
ثانياً: لقيامه.
ثالثاً: لتلاوة القرآن فيه.
هذا شغل السلف: يصومون النهار ويقومون الليل، ويقرءون القرآن في كل وقت في الليل والنهار، وكانوا يختارون لأعمالهم الجهادية رمضان، فمعركة بدر كانت في رمضان، والفتح كان في رمضان، وعين جالوت كانت في رمضان لماذا؟ لأنه شهر القوة، والإيمان، والجهاد، والنضال.