ومن الأسباب التي تجلب السعادة للإنسان: ذكر الله سبحانه وتعالى.
فإن ذكر الله شرح للصدر وإزالة للهم؛ لأن القلوب بيد الله، فإذا ذكرت الله ذكرك الله وشرح صدرك وذكرك فيمن عنده, ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى بذكره في كل الحالات, وبين أن أهل العقول السليمة يذكرونه في كل المناسبات: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191].
إن ذكر الله من أعظم الأدوية لأمراض القلوب, ولذلك إذا رأيت إنساناً ذاكراً فإنك تحكم عليه بمحبة الله وسلامة قلبه, (مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت) وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس ذكراً لله, تقول عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري: [كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله في سائر أحواله] , فما كان يفتر لسانه عن ذكر الله ولما جاء عبد الله بن بسر في حديث في سنن الترمذي، قال: (يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنة وينجيني من النار وأوجز -يقول: قلل فأنا لا أريد كثيراً, أريد شيئاً بسيطاً- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) يقول العلماء: إن هذه الإجابة دليل من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم, فإنه دله بحديث بسيط على عمل عظيم, فإن الذي لا يزال لسانه رطباً من ذكر الله هو الذي جمع الدين كله, فهل هناك شخص يزني أو يسكر أو يتناول المخدرات أو يروجها أو يسعى إليها ولسانه رطب من ذكر الله؟ من ذا الذي يعمل هذه الجرائم إلا من لسانه قاسٍ عن ذكر الله, أما الذي لسانه رطب من ذكر الله تجده مع الله في كل حين وفي كل وقت.
فذكر الله من أعظم أسباب السعادة.
ومن أعظم أنواع الذكر: قراءة القرآن, فإن القرآن -كما ذكرنا- يقول الله تعالى فيه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:44] ويقول سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] فأنزله الله عز وجل شفاء لما في الصدور وهي القلوب, فالقلب لا يطمئن إلا إلى ذكر الله, وإذا جعلت لك موعداً مع الله في تلاوة كتابه ومناجاته، يقول أحد السلف: "من أراد أن يناجي ربه فليقرأ القرآن أو ليقم إلى الصلاة", كأنك تناجي الله سبحانه وتعالى، وأنت بهذه المناجاة والتلاوة والقرب من الله تعرض نفسك لأعظم سبب من أسباب السعادة.