النعمة الثالثة: (وأذن لي بذكره) فكم من أناس يقومون معافين في أبدانهم وردت لهم أرواحهم، ولكن لم يؤذن لهم بذكر الله عز وجل، يقومون على غير ذكر الله، ويقطعون سحابة ليلهم ونهارهم في معصية الله؛ لأن الله لم يأذن لهم؛ لأنهم عصوه وخالفوا أمره، وتمردوا على شرعه، وعارضوا أوامره، وارتكبوا مناهيه، يعرفون أمر الله في أعينهم لكنهم نفذوا أمر الشيطان وتركوا أمر الله أمر الله في أعينهم، النظر في المصحف وإلى ملكوت السماوات والأرض، والنظر بها في مصالحك، وغضها عن الحرام، فهم عطلوها من كل ما أمر الله به، واستعملوها في كل ما أمر الشيطان به، ولذلك تجد الذي يحب النظر إلى النساء لا يحب النظر إلى المصحف، ولو قلت له: خذ اقرأ القرآن، قال: شكراً.
وهناك شخص رأيته في المسجد، وهو جالس وأنا أقرأ بجانبه فقمت آخذ مصحفاً وأعطيه، فقال: شكراً، يعني: معبأ حسنات سبحان الله! شكراً للمصحف، من يرد المصحف إلا شخص محروم، ووالله لو أني أعطيته مبلغاً من المال لن يقول: شكراً، لكن المصحف لا يريد، فهذا محروم وقلبه منكوس والعياذ بالله، فعطل عينيه من النظر إلى المصحف لماذا؟ لأن عينيه ترى الحرام، والمسلسلات، والأفلام والجرائد والمجلات، بل إن بعضهم يجلس ساعة وساعتين يشتري بعشرة ريالات مجلة اسمها النهضة، الذي يسمع نهضة الأمة يعني سموها، سؤددها، مجدها، تاريخها وهل تعرفون ما هي نهضته؟ هي نهضة الجنس والزنا والغناء وقلة الحياء، يسمونها النهضة، واليقظة وبعشرة ريال وفيها صور فاتنة وقصص وكلام فارغ، يقرأها من الجلدة إلى الجلدة، لا يدع كلمة إلا وقد قرأها، ولو قلت له: خذ بالله صحيح البخاري قال: شكراً، صحيح البخاري فيه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أصح كتاب بعد كتاب الله، خذ القرآن لا يريده، خذ السنة لا يريدها، خذ مجلة إسلامية لا يريد، لا يريد إلا هذه.
عطل عينه من النظر إلى ما يحبه الله ويرضاه، واستعملها فيما يغضب الله ويأباه.
وعطل أذنه عن سماع القرآن والذكر والمواعظ، واستعملها في سماع الغناء.
وعطل لسانه عن الذكر والشكر والعلم وقراءة القرآن، واستعملها في المعاصي.
فهذا الإنسان لما سار في الخط المعاكس لم يُؤذن له بذكر الله، لكن أنت يا مؤمن يسرك الله لهذا الأمر، وهذه بشرى والحمد لله أننا نرى الإقبال الكثير من قبل الشباب المؤمن.
هناك شخص قبل صلاة المغرب وأنا خارج من بيتي لآتي إلى هنا، أمسكني عند الباب، يظن أن المحل الذي في بيتي حق الأشرطة ملكي، فقال: يا أخي! أنا من أهل بيشة وكان عندي استريو للأغاني، ولكن تاب الله عليَّ، وقررت تغييره من استريو أغاني إلى استريو رباني، وإذا بالنور في وجهه، والولد يتفتق حيوية وإيماناً، يقول: وأنا أرجو الله أن يغفر لي زلاتي فما من بيت إلا عليَّ فيه ذنب، فكم اشتروا مني من أغاني، وأنا الذي أصدرها، وأفسد بيوت المسلمين، واليوم والحمد لله تاب الله عليَّ، وما وجدت كفارة لعملي إلا أني أبيع أشرطة إسلامية بدل الأشرطة الشيطانية، فأرجو منك أنه إذا كان هذا المحل لك تجعل الصبي يساعدني ويدلني على الأشرطة المفيدة، فقلت له: بارك الله فيك وجزاك الله خيراً والحمد الله الذي هداك للإيمان، وهذا هو الوضع الصحيح؛ انتقلت من حزب الشيطان إلى حزب الله، كنت عدواً لله تحاربه واليوم أصبحت ولياً لله تدعو إليه، واعلم أنه ما من شريطٍ يخرج من محلك ويدعى به إلى الله ويطاع الله به إلا ولك مثل أجره، لا يوجد أعظم من هذا العمل، فاحمد الله ولكن يمكن يبتليك الله ويختبرك وما يصير لك رواج ولا مكاسب ولا يأتيك شيء فاصبر فإنك على الحق، قال: لا.
لا توصيني بهذه فقد ذقت المر، فذهبت معه إلى صاحب المحل؛ لأن المحل ليس لي وقلت له: أين عمك؟ قال: عمي غير موجود، قلت: قل له: يقول فلان: هذا الرجل ينبغي مساعدته وإعطاؤه الأشرطة بسعر التكلفة، يعني: ما يكسب منه؛ لأن مثل هذا يعان ويساعد حتى يقوم محله، قال: أبشر إن شاء الله، فالحمد لله.
ينبغي عليك أيها المسلم أن تشكر الله ما دام أن الله أذن لك بذكره.
فأولاً حين فتحت عينك قلت: الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني، أيضاً أذن لك في أن تفكرت في نعم الله عليك فشكرت الله، فقلت: وعافاني في جسدي ورد عليَّ روحي، وبعد ذلك أذن لك في ذكره.
فهذا الحديث أيها الإخوة! فيه ثلاثة ألفاظ لكن فيها عبر وحكم إذا تأملها الإنسان عرف مقدار ما ينبغي أن يقوم به من العمل والإخلاص والتوبة إلى الله من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها دقيقها وجليلها، حتى يكون من العباد الصالحين الذين يتولاهم الله في الدنيا والآخرة.