كلام الشيخ حامد المصلح: الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نحمده جل جلاله، وأثني عليه الخير كله بما هو أهله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وإمامنا محمداً عبد الله ورسوله، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
أهلاً بهذه الوجوه الطيبة المباركة، والوجوه المتوضئة الراكعة الساجدة التي أسأل الله جعل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن وفقهم الله وهداهم لما فيه صلاحهم وفلاحهم إنه على ذلك قدير.
ثم أحيي على وجه الخصوص فضيلة الشيخين الكريمين: فضيلة الدكتور جابر بن علي الطيب أثابه الله.
وفضيلة الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله، الذي لا يخفى على الجميع.
وأسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه.
ونحن أيها الأحبة! نتحدث حول هذا الأمر، العظيم الذي ربما لا يكاد يوجد بيت لا يخلو من هذا الأمر، ألا وهو أسباب المشكلات الزوجية، ثم يكون العلاج إن شاء الله في الأخير، وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن وفقهم الله وهداهم.
أيها الأحبة! فليتحدث أولاً: فضيلة الدكتور جابر حفظه الله عن أسباب هذه المشكلات التي تحدث وتقع.
وهذه المشكلات في الحقيقة إذ أنها كثيرة، فمن أبرزها وأهمها: المخالفات الشرعية، ثم الغيرة التي تحصل من الطرفين، أو من أحدهما، ومن هذه الأمور الكثيرة التي تكون أسباباً وهي في الحقيقة كثيرة، العيوب الزوجية من الزوجين أو من أحدهما، وكذلك الزواج من الأقارب، وغلاء المهور، ففضيلة الدكتور جابر حفظه الله نود أن يحدثنا حول هذه الأمور وجزاه الله خيراً.
كلمة الشيخ جابر الطيب: الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده سبحانه وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأسأله التوفيق والهداية، والسداد والرشاد في الدنيا والآخرة، ثم أصلي وأسلم على نبينا محمد بن عبد الله، نبي الرحمة والهدى والصلاح، صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، والشفاعة العظمى، فصلوات الله وسلامه عليه على آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: فقد سمعتم ما ذكره الشيخ جزاه الله عنا وعن الجميع خير الجزاء في الدنيا والآخرة، وذكر أن هناك مشاكل قد تحصل بين الزوجين، وقد تكون هذه المشاكل ظاهرة، وقد تكون باطنة لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى، وأحب أن أقدم بكلمة عن الزواج، وأن الله سبحانه وتعالى قد شرعه لبني الإنسان، لكي يحفظوا أنفسهم، ولكي يعمروا هذه الدنيا، كما اختارهم الله سبحانه وتعالى لعمارتها، وللقيمومة فيها، فالشباب في حاجة ماسة إلى الزواج.
ولكن هناك من الموانع ما يحول بين الشاب وما يشتهي: منها: أنه إذا بلغ الشاب الحلم وأصبح رجلاً يصح أن يكن زوجاً يقول في نفسه أو يقول له أهله: ما زلت في عنفوان الشباب وفي ريعان الصبا، فاصبر حتى تكمل رجولتك ونزوجك إن شاء الله، وهذا عندي أنه خطأ فيما أعتقد، وأن هذا من الأخطاء الشائعة بين الناس، فزواج الصغير يحفظه من المعاصي إذا كان عند أهله من المال ما يجعلهم يزوجوه، أما إذا كانوا فقراء فهم معذورون، ولكن إذا كان الله سبحانه قد وسع عليهم، فخيراً لهم أن يبادروا إلى تزويجه ممن يرضون دينها وأهلها وأمانتها وتقواها، وبعضهم يسوِّف ويقول: سوف أتزوج إن شاء الله إذا انتهت دراستي وأمنت مستقبلي، حتى أعيش أنا وزوجتي في أمن واستقرار وحياة سعيدة مملوءة بالخيرات والأرزاق.
وإذا توظف هذا الخريج بعد أن يبلغ من العمر خمساً وعشرين عاماً ونحو ذلك، فإن وظيفته قد تكون بسيطة، وقد يكون مرتبه الذي يتلقاه من ولي الأمر لا يقوم بشئون حياته كاملة، فقد يعول أبويه أو أيتاماً خلفهم أبوه -مثلاً- أو نحو ذلك، فإذا قدرنا راتبه خمسة آلاف ريال أو أربعة آلاف ريال، فقد يكون إيجار الشقة في الشهر ألف ريال -مثلاً- ولا بد أن يأخذ أشياء بالتقسيط، هذه السيارة يدفع عنها كل شهر ألفين أو نحو ذلك، ويبقى له ألفان أو نحو ذلك، فإذا بقي الألفان هل يدخل بها بيته أم ماذا؟ فإذا قلنا: إنه سيوفر في كل شهر خمسمائة ريال، والمهر لا يقل عن مائة ألف ريال، إلا أن يشاء الله، وهو لا بد له من قصر أفراح ومما يفعله الناس في زماننا هذا من المباهات والمبالغة في الذهب وغير ذلك، فإذا قدرنا أن تكلفة زواجه مائة وخمسين ألف ريال، فينبغي عليه أن يمون ذلك ثلاثمائة شهر، وهو عمر طويل، معناه يوفر مائة وخمسين ألف ريال في ثلاثمائة شهر، كل شهر خمسمائة ريال، وإذا قلنا: ألف ريال ويفرفها في أقل من ذلك بقليل، فإذا كان ألف ريال، وهكذا، مائة وخمسين شهر، فهذا قد يصعب عليه، ولا يبلغ حد الزوج إلا وقد عُمِّر طويلاً؟ ولهذا فإن غلاء المهور من الأسباب الشائكة التي تحول بين المرء وبين الزواج.
العنصر الثاني: قد يكون الشاب لا يبالي بالزوجة، يقول: إذا تزوجت كتَّفت نفسي، وحبست حريتي وأصبحت مسئولاً مسئولية كاملة عن الزوجة وأولادها وأنا حر طليق، أنطلق في أرض الله الواسعة فلا أشغل نفسي، فإذا تزوجت وأنا في هذا السن فسوف أصبح أسيراً للمرأة، تحبس حريتي، وتمنعني من الإنطلاق في هذه الحياة، إذا تأخرت في الليل قالت: أين كنت؟ ومن أين أتيت؟ وإذا ما أعجبها شيء تقول: ما هذا الذي أتيت به؟ وهكذا، فأصبح مغلول اليدين والرجلين، فلهذا لا أتزوج.
العنصر الثالث: يكون زواجاً مطلقاً قد يكون وسع الله سبحانه وتعالى عليه وأغناه، وأكثر ماله، لهذا يتزوج في السنة مرة أو مرتين، كما علمنا أن أناساً من هذا النوع وسع الله عليهم بالمال، فأصبح ديدنهم وهمهم أن يتزوجوا باستمرار؛ لكي يتمتعوا بالنساء، ثم يطلقوهن بعد حين، بعد سنة، أو أقل من سنة، وهذا لا يجوز، ولا ينبغي له أن يفعله أبداً إذا كان في قلبه إيمان، إمساك أو تسريح بإحسان، إما أن يمسك الزوجة الصالحة، وإما أن لا يأتي إليهم، فكثير من الأغنياء من الذين وسع الله عليهم، يتزوج من هنا ومن هناك ومن كل مكان؛ ليمتع نفسه بهذه الحياة، وهذا لا ينبغي.
وبعضهم يكون ممن أضله الشيطان من الشباب، فهو كلما جمع شيئاً من النقود، سافر بها إلى القارات، مرة هنا ومرة هناك، يتتبع الحرام، ينام في أحضان المومسات -والعياذ بالله- ويبحث عن الزنا أينما كان، يعجبه ذلك ويطربه، ولهذا لا يقر له قرار ولا يقوم مقام في وطنه، وإنما جل همه أن يذهب إلى القارة الفلانية، فيها من النساء كذا وكذا، وفيها من المومسات كذا وكذا، ويعلم أن ذلك يغضب الله أولاً قبل كل شيء، ثانياً: عنده من الأمراض الخبيثة كالإيدز -والعياذ بالله- وكقمل العانة، وكالسيلان، ونحو ذلك -والعياذ بالله- يظلم نفسه بالإثم العظيم، الذي حرمه الله سبحانه وتعالى ورسوله، حرمه الله في القرآن عندما ذكر صفات المؤمنين، قال في آخر سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:68 - 70] فمن تاب ورجع إلى الله فهو على خير، هذه هي بعض الأشياء يفعلها الشباب ويبتعدون عنها ويأبون أن يتزوجوا من هذا النوع.
أما العيوب فهي كثيرة، إما أن تكون في المرأة وإما أن تكون في الرجل.
أما عيوب المرأة: فهي العفق والقرن والرتق، فهذا يكون في المرأة، أما العفق: فهو لحم يكون في الفرج يمنع من التمتع بها من زوجها، وهذا في حق المرأة -ولا حياء في الدين إذا قلت هذا الكلام وهذا شيء لا بد أن نوضحه- فالعفق: هو لحم يأتي في فرج المرأة فيمنع سلوك الذكر في الفرج، وهذا عيب من العيوب، وللزوج أن يفسخ النكاح، إذا لم يكن يعلم به قبل عقد النكاح، أما إذا علم بعد عقد النكاح وقد اختلى بها، فإن لها بعض المهر، وأما إذا علم به قبل الزواج وأقدم عليها بطوعه واختياره فقد لا يكون هذا في حقه عيباً.
أما القرن: فقد يظهر في فرج المرأة، مثل قرن الشاة يسمى القرن.
أما الرتق: فقد تكون المرأة رتقاء، أي: أن فرجها لا مسلك فيه للذكر، أي: كالمخيط، أو نحو ذلك، هذا في عيوب المرأة.
ومن العيوب التي تكون عند الرجل والمرأة الجذام، والبرص والغائط أثناء الجماع، أو نحو ذلك، وهذه العيوب يشترك فيها الرجل والمرأة أما عيوب الرجل فهي: العنة، أن يكون عنيناً أي: لا ينتشر ذكره والعنة يستحق بها فسخ النكاح، إذا كان هناك قاضٍ يحكم عليهم ويمهلهم سنة كاملة من تاريخ المحاكمة، إذا تحاكمت المرأة إلى القاضي هي وزوجها، وقالت: يا شيخ: إن هذا لا يفعل شيئاً مما يفعله الرجال، فإذا اعترف الرجل أمهله سنة كاملة من تاريخ المحاكمة، يمر على الفصول الأربعة: الشتاء والصيف والخريف والربيع، حتى إذا ما وفق في هذا الفصل، فالفصل الذي يأتي يكون أحسن من الأول.
حتى إذا انتهت السنة ولم يفعل شيئاً، يفسخ النكاح بدون مقابل، وليس له شيء من حقه الذي دفعه لها.
ثانياً: أن يكون مجبوباً، إنسان اُعتدي عليه وجب ذكره، أو خصاه، هذا أيضاً عيبه شرعي، والثالث: العاق، كان طيباً معافىً سليماً لا عيب فيه، وفي أثناء الزواج جاءه العيب حتى أصبح ذكره لا ينتشر فهذا يسمى العاق، وهو مرض عرض له، كذلك هو بالخيار، إن جلست معه فلها ذلك، وإن طلبت الفسخ يفسخ نكاحها بدون أي شيء، هذه هي عيوب الرجل وعيوب المرأة.
كذلك الجذام إذا رأيت امرأة فيها جذام -عافانا الله وإياكم- أو في الرجل فإن كلاً منهما له أن يفسخ نكاح الآخر خوفاً من العدوى لا سمح الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر).
لكن الرسول لما جاءه وفد ثقيف وكان معهم أجذم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارجع إلى وطنك فقد بايعناك) معناه: لا يرغب في مقابلته عليه الصلاة والسلام، وفي الأثر: (فر من المجذوم فرارك من الأسد).