Q أراد رجل نصراني أن يؤمن بالله مقابل أن تثبت له -كمسلم- أن الله موجود، فكيف يتم إثبات وجوده سبحانه؟
صلى الله عليه وسلم هذا السؤال مهم وسأجيب عليه، أما الباقي فأظن أن الوقت يطول.
وسأحكي لكم مناظرة بين مسلم وملحد، فافهموا وركزوا قليلاً، فأنتم على باب الجامعة، ويجب أن تدركوا هذا، فكثير من الشباب في الثانوية يكثر من الهزل والضحك والمزاح، ويعيش بعقلية المتوسط، ومرحلة المتوسط يسمونها في التربية: مرحلة المراهقة، والمراهقة تعني: الخبال، والسفه، لكن لم يعد هنا مراهقة، فأنت الآن في مرحلة الرجولة فيجب عليك أن تودع تلك المرحلة المتوسطة بمرحلتها، وتدخل الثانوية بعقلية الرجال، وبحياة الرجال، ولا تدع للهزل ولا للمزاح واللعب ولا الفوضى مجالاً في حياتك، وابق مجداً دائماً، صادقاً.
أريدكم أن تفكروا معي في هذا الموضوع وأن تركزوا بعقلية الرجال.
تناظر اثنان: ملحد ومسلم.
فقال المسلم للملحد: لماذا لا تؤمن بالله؟ قال: لأنه غير موجود.
قال: وكيف عرفت أنه غير موجود؟ قال: لأنني لم أره.
قال: حسناً.
وكان أمامهم كوب زجاجي فيه ماء، فسكب الماء.
ثم قال: من سكب الماء هذا؟ قال: أنت.
قال: ألا يمكن أن يكون الماء انسكب بنفسه؟ قال: لا، مستحيل.
قال: حسناً، من صنع هذه الزجاجة؟ قال: المصنع.
قال: ألا يمكن أن تصنع الزجاجة نفسها بنفسها؟ قال: مستحيل، لا بد أن يكون لها صانع.
قال: حسناً، فمن صنعني وصنعك؟ ألا يمكن أن نصنع أنفسنا بأنفسنا؟ قال: مستحيل، لا بدلنا من خالق.
قال: حسناً، الخالق هو الله.
قال: قلت لك: إنني لا أراه، فالعقدة عنده الرؤية.
فقال هذا المسلم -واسمه حسن: يا فلان -ينادي الكافر واسمه قبيح -! أنا أمامك الآن، لو حصل لي حادث مروري وترتب على هذا الحادث أن بترت يدي، ماذا أبقى في نظرك؟ حسن أو أصير عمر؟ قال: لا، تبقى حسن.
قال: إذاً بعدما ذهبت يدي وركبت السيارة مع أحد زملائي -ولم أعد أسوق السيارة - ثم حدث لي حادث آخر وبترت قدماي الاثنتين فماذا تنظر إلي؟ هل أنا حسن، أم أصير شخصاً آخر؟ قال: لا، ستبقى حسناً.
قال: وبعد فترة درست وكنت آتي إلى السيارة بالمقعد وأنا ذاهب مع زميل لي فحدث لي حادث، وترتب على هذا الحادث أن بترت يدي الثانية وانكسر ظهري، وفقدت حاسة السمع وحاسة الشم، وما بقي عندي شيء إلا الروح تصعد وتنزل، فماذا يسميني الناس: حسناً أو عمر أو علي، رغم أني فقدت كل حواسي وكل إمكاناتي؟ قال: لا، ستبقى حسناً رغم ذلك.
قال: فأنا حسن لشيء في ذاتي ليس ليدي ولا لرجلي ولا لحاستي ولا لسمعي ولا لبصري، وإنما لشيء داخلي.
قال: نعم، أنت حسن، اسمك حسن بشيء في داخلك.
قال: ما هو هذا الشيء الذي بداخلي؟ قال: الروح.
قال: نعم، أنا حسن ما دامت الروح فيَّ، فإذا خرجت الروح ماذا أصير؟ لم أبق حسناً، ماذا يسموني؟ يسموني جنازة فيقولون: مرت الجنازة ولا يقولون: مر حسن، لو مشى برجله يقولون: مر حسن، لكن إذا مر وهو محمول قالوا: مرت جنازة فلان، المرحوم، أو الهالك، أو الميت، أو الجنازة، وبعد ذلك أنا حسن وأنا في بيتي لي قيمة، ولكن عندما تخرج روحي في تلك الليلة، ولا يستطيع أهلي أن يدفنوني في الليل، هل يستطيع منهم واحد أن ينام معي في الغرفة التي وضعت فيها وأنا ميت؟ لا يستطيعون.
لماذا؟ فيها وحشة، قال: والله لا أقدر أن أرقد بجانب الميت، من يستطيع أن يرقد مع الأموات؟ حسناً: أنا أبوكم، أنا أخوكم، أنا منكم! لكنك ميت، إذاً: لو رد الله عليَّ روحي بعد قليل من الموت وناديتهم: يا جماعة أبشركم أني عشت.
ماذا يصنعون؟ هل يذهبون بي ليدفنونني؟ أم يحتفلون بي، ويفرحون؟ لماذا؟ لأن حسناً جاء، أين هو حسن؟ هل حسن هو الهيكل أم الروح؟ بل الروح، إذاً أنا حسن ولي قيمة بالروح.
قال: نعم.
قال: إذاً أين الروح؟ وهنا الشاهد، أين روحك؟ هل تراها؟ قال: لا.
قال: أهي موجودة فيك؟ قال: نعم موجودة.
قال: أريد أن أراها وإلا فأنت لست موجوداً، أحد أمرين: إما أن تثبت أن فيك روحاً وأنك موجود، أو أنه ليس فيك روح وأنك لست موجوداً، ثم إذا لم تكن موجوداً فأنت عدم، وإذا كنت عدماً فكيف أتكلم مع العدم؟ فقال ذاك: نعم، الروح موجودة وأنا لا أراها.
قال: إذاً وجود الروح وأنت لا تراها دليل على وجود الله وأنت لا تراه، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] يعني: أن الروح دليل على أمر الله، ولو كانت الروح شيئاً مادياً لا كتشفوها.
في أمريكا باحث علمي أتى برجل أوشك أن يفارق الحياة ووضعه في صندوق زجاجي، وأجرى له وسائل الحياة من هواء وغيرها، وجعل يرصد كل الأجسام التي تدخل عليه، وبعد ذلك مات الإنسان دون أن يرى شيئاً داخل الصندوق ولا حتى كسر الصندوق.
لقد استطاعوا في الطب الحديث أن ينقلوا أعضاءً من إنسان إلى إنسان إذا مات، الآن عملية نقل القلوب، رجل عنده قلب فاسد، لا يصلح، وسوف يموت، فأتوا بشخص آخر على وشك الموت فأخذوا قلبه، وهو صالح لماذا لم يشتغل في ذلك؟ لأن الروح ليست موجودة، أجل الحياة ليست في القلب بل في الروح، فلما ذهبت الروح لم يعد القلب يشتغل، أتينا بهذا القلب الذي لا يشتغل هناك وركبناه في واحد فيه روح فاشتغل قلبه.
نأتي إلى الكلية، بمجرد أن يموت الإنسان تقف الكلية، نقوم بأخذ الكلية من هذا الذي سوف يموت ونشغلها فنضعها فيمن فيه روح فتشتغل، لماذا وقفت هناك واشتغلت هنا؟ وقفت هنا؛ لأن الذي كانت تشتغل فيه خرجت روحه فتوقفت.
الآن عندما ينام الواحد تأتي بالأجسام أمام عينه، تفتح عينه وتضع أمامه لوناً أحمر وأصفر وأخضر لا يرى، تتكلم عند أذنه بصوت خفيف لا يسمع، تضع الطيب عند أنفه لا يشم؛ رغم أن حاسة الشم موجودة عنده، وحاسة العين موجودة، وحاسة الأذن موجودة لكنه لا يسمع ولا يشم ولا يرى، لماذا؟ لأنه نائم، وليس الأنف هو الذي يشم في حقيقة الأمر فالذي يشم هو الروح، أين الروح؟ الروح ليست موجودة بجسمه الآن، هي في إجازة قريبة، تريدها أن ترجع أيقظه: فلان، فلان! استيقظ، أين كان هذا؟ كان نائماً، عندما استيقظ أصبح يميز الرائحة واللون والصوت! وعندما كان نائماً لم يميز شيئاً؛ لأن روحه غير موجودة.
والروح لها خروجان من الجسم، خروج مؤقت تحت الاستدعاء وهو النوم، وخروج نهائي -فصل من الوظيفة- وهو الموت، وبعد ذلك هناك إعادة، متى الإعادة؟ بعد الموت، تأتي الروح فترجع إلى الجسد للحساب، سؤال وجواب ماذا فعلت؟ وماذا عملت؟ إن نجحت فجنة، وإن سقطت فنار.
فوجود هذا النصراني ووجود الروح فيه دليل على وجود الله، مفهوم هذا الكلام يا إخوان؟ فإذا قال هو: لا.
الروح فيَّ وأنا لا أراها، فأنا لست مؤمناً بوجودي.
إذاً ما دام أنك غير موجود فأنا لا أتناقش مع العدم، هل تناقش عدماً؟ فإما أن تؤمن بأنك موجود وأن الروح موجودة فيك، وأن إيمانك بوجود الروح يلزمك بالإيمان بالله عز وجل وإلا فلا نقاش معك.