أنت تقول: دلني يا رب وأرشدني وأقمني على صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، ثم تقول: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] أي: لا تدلني على طريق المغضوب عليهم ولا الضالين.
والمغضوب عليهم هم اليهود؛ لأن معهم علمٌ ولم يعملوا به فغضب الله عليهم.
والضالون: هم النصارى؛ لأنهم يعبدون الله على جهل وضلال -والعياذ بالله- فضلوا عن صراط الله المستقيم، فاليهود عندهم كتاب، وقد قال الله تعالى فيهم: إنهم يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم، قال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146] يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم -أي: صفاته كاملة عندهم- لكنهم -والعياذ بالله- غضب الله عليهم؛ لأنهم مكابرون -قوم بهت- يعرفون الحق ولكنهم يرفضونه، ولهذا يقول أحد السلف: (من عصى من علمائنا -أي: الذين يعرفون الدين- ففيه شبه من اليهود، ومن عبد الله على جهل وضلال من عبادنا ففيه شبه من النصارى) وطريق السلامة من اليهود والنصارى أن تعبد الله على علم وبصيرة.
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] فإذا قال العبد بعدها: آمين، أي: اللهم استجب، قال الله عز وجل: (هذه لعبدي ولعبدي ما سأل).
نسأل الله وإياكم من فضله.
فأنت إذا حافظت على السنن الرواتب وأخذت أقل الوتر -وهي واحدة- فإنك بها تكون قد طرقت باب ربك في كل يومٍ ثلاثين مرة، فإن أخذت بأكثر أنواع الوتر وهو إحدى عشر ركعة تكون قد طرقت باب ربك أربعين مرة، وجدير أن يفتح لك، فإن باب الله عز وجل واسع وهو كريم، ولا يرد من سأله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] ويقول ربنا تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] وهذا الذي أؤكد عليه؛ لأن هناك بعض التساهل من بعض الشباب حفظهم الله وأصلحهم ووفقهم في أداء السنن الرواتب، فقد تجد كثيراً منهم يصلون الفريضة ثم يخرجون ولا يصلون النافلة، والذي يترك النافلة فإنه سيترك بعد ذلك الفريضة؛ لأن الشيطان وأنت تواجهه يجد عندك خطوط دفاعات، فيجب أن يكون عندك خط دفاع أول، وثانٍ، وثالث، بحيث إذا انهزمت في الخط الأول فعندك خط ثاني، وهذه خطط العسكريين الآن؛ يضعون خطوطاً في مواجهة الأعداء: الخط الأول يسمونه: الخط الحار أو الخط الشاغل أو خط النار، هذا المواجهة باستمرار، والخط الثاني أشد، والخط الثالث أشدها فليس وراءه إلا الموت.
فأنت في مواجهة الشيطان أمام صراعات، يجب أن يكون لك في العبادة خط ناري ساخن وهو الأول واسمه كثرة النوافل؛ ما إن تتاح لك فرصة حتى تصلي.
الخط الثاني الذي إذا هزمت وغلبت وشغلت ولم تستطع فلا تتخل عنه وهو خط الرواتب، إذ لا يمكن أن تترك الراتبة مهما كان عذرك، وشغلك، وكسلك وتعبك؛ لأن الرواتب هذه لا خيار فيها، ولا مساومة عليها، بل الحرص كل الحرص عليها.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن رجل يصلي الفريضة ولا يؤدي الراتبة؟ قال: ذاك رجل فاسق تُرد شهادته.
وأشكل هذا الكلام على بعض أهل العلم حينما سمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين واللفظ للبخاري: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيت إن صليت المكتوبات ولم أزد على ذلك شيئاً، أأدخل الجنة؟ قال: نعم، وقال: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) قالوا: هذا الرجل يصلي الفريضة فقط، فكيف نحكم بفسقه، فتأوله رحمه الله وهو من أئمة العلم الهداة الذين لديهم بصائر عظيمة في كشف الأسرار والأدلة من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: إن هذا الرجل صادق، والرسول صلى الله عليه وسلم زكاه، وتزكية الرسول صلى الله عليه وسلم له لا تكون إلا بوحي، وأنه سيحافظ على الفرائض حتى يموت، ولا شك أن من حافظ على الفرائض حتى يموت فهو مسلم يدخل الجنة، لكن الغالب أن من يحافظ على الفرائض فقط ولا يصلي النوافل أنه في نهاية الأمر يترك الفرائض.
وهذا مشاهد ومجرب؛ لأنه ليس عنده إلا خط دفاع واحد، فإذا جاءه الشيطان ليحاربه في الصلاة وتركها أين يرجع؟ ليس هناك إلا الكفر، وليس بعد ترك الصلاة إلا الكفر، ولكن إذا كسلت في النوافل فإنك ترجع إلى الخط الثاني، فإذا هزمك الشيطان وتغلب عليك في لحظة من اللحظات أو وقت من الأوقات وتركت الراتبة فإن معك الفريضة، لكن من يحرص على النافلة والراتبة والفريضة لا يمكن أبداً أن يضيع الفريضة، فهذه اسمها رءوس أموال، ويوجد أرباح سائلة دائماً وكثيرة، فرءوس الأموال: الفرائض، والأرباح الثابتة: هذه الرواتب، والأرباح الكثيرة في المواسم: بقية النوافل.