أيها الإخوة الكرام! إننا نطلب العلم الشرعي؛ لأن بالعلم الشرعي تكمل الأخلاق الفاضلة، وبه يُحصّل الإنسان محاسن الخصال؛ ولذلك قال الله جل وعلا: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164]، فالله جل وعلا أخبر أنه منّ على المؤمنين بأن {بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران:164] أي: من جنسهم، ما مهمته؟ ما وظيفته؟ ما عمله؟ {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [آل عمران:164] يتلو عليهم الآيات التي جاءت في كتاب الله عز وجل، والتلاوة هنا ليست تلاوة اللفظ فقط، بل هي تلاوة اللفظ والمعنى، فهو يبين لهم بقوله وفعله ما أنزل الله جل وعلا من الكتاب المبين، {وَيُزَكِّيهِمْ} [آل عمران:164] والتزكية: هي التدرج بالنفس إلى أعلى درجات كمالها، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعثه الله مزكياً مكملاً للأخلاق، جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)، قال أنس رضي الله عنه: (إذا قلّ العلم ظهر الجفاء)، فالخلق الفاضل، والسجايا الكريمة؛ تنبع عن العلم الشرعي، فإذا أقبل الإنسان على كتاب الله عز وجل تعلماً، وعلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم تلقياً، بصدر منشرح، وهمة عالية، ورغبة في الخير؛ فإنه لا بد وأن تزكو أخلاقه، ولا بد وأن يظهر للعلم أثر في أخلاقه: في قوله في عمله في هديه في سمته في سائر شأنه.
وقد مدح الله جل وعلا في كتابه صفات كثيرة وأثنى على أهلها، واعلم أن كل صفة مدح الله بها العبد إنما منشؤها العلم، وهذا يبين لك أهمية العلم، وأن العلم به تكمل الفضائل، وبه تحصل على السبق في ميادين الخير والبر والشرف، وأن من قعد عن العلم فقد قعد عن تكميل أخلاقه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق).