ينبغي أن يكون هناك أثر للقرآن عند قارئه وسامعه، في سلوكه وخلقه، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن -وليس هذا في حق الحفاظ فقط، بل هو لكل حامل له ولو حمل منه شيئاً يسيراً- أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي أن يكون باكياً محزوناً حكيماً عليماً ساكناً، ولا يكون جافياً ولا غافلاً ولا صاخباً ولا صيّاحاً ولا حديداً -أي: ولا شديداً- في مطالبة الخلق ومعاملتهم.
وقد ورد مثل هذا التوجيه -وبيان أثر القرآن على حامله وعلى القارئ له- في عدة أقوال من أقوال الصحابة رضي الله عنهم، منها ما ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (يا حملة القرآن! -أو قال: يا حملة العلم! - اعملوا به، فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم).
أي: لا يجاوز حناجرهم، بل هو مجرد قول على اللسان ليس له أثر في القلب، ولا شك أن هذا الحاجز وهذا المانع يمنع من التأثر بالقرآن والانتفاع به.
أيها الإخوة الكرام! إن القرآن نزل معالجاً لأمراض ووقائع كانت في زمن الصحابة رضي الله عنهم؛ ولذلك كانوا يرقبون ويخافون أن ينزل شيء من القرآن يبين شيئاً من عوراتهم، أو يكشف شيئاً مما يكرهونه، أو يكون سبباً لهلاك بعضهم، فكانوا رضي الله عنهم على غاية الحذر والوجل عند نزول القرآن وتلقيه؛ ولذلك كانت أحوالهم مستقيمة رضي الله عنهم.