البكاء نوعان: النوع الأول: يأتي بلا طلب، وبدون تكلف، وهو ما يكون من تأثر طبيعي لا يطلبه الإنسان، وإنما هو ناتج عن تدبره وتأمله لما في هذه الآيات من الترغيب أو الترهيب، أو عظيم صنع الله جل وعلا، أو عظيم وصفه، وهذا هو الذي كان عليه السلف رضي الله عنهم، وهو دال على سلامة القلب ولينه وصحته وحياته.
النوع الثاني: هو البكاء الذي يكون بطلب، فينظر الإنسان ويحث نفسه على النظر في معاني الكتاب؛ ليتأثر، ومنه قول عمر رضي الله عنه لنبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لما رآهما يبكيان فقال لهما رضي الله عنه: (يا رسول الله! أخبرني ما يبكيك وصاحبك، فإن وجدت بكاءًَ بكيت معكما، وإن لم أجد تباكيت)، وليس المقصود أنه يتكلف البكاء، وإنما يطلب أسباب البكاء التي من أجلها حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا القرآن نزل في حزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا) فهذا الحديث يدل على مشروعية التباكي، لكنه التباكي الذي ليس فيه تكلف، وليس فيه طلب رياء ولا سمعة، إنما فيه طلب التأثر بالكتاب، وإذا كان القلب قد منعه مانع، أو عرض وحال دون حصول البكاء منه حائل، فينبغي لنا أن نطهر قلوبنا، وأن نطيبها؛ ليحصل لها التأثر بالقرآن دون تكلف.