أيها الإخوة الكرام! إن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يقوم الليل بآية واحدة، وقد ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث أبي ذر فإنه قال: (قام النبي صلى الله عليه سلم بآية يرددها حتى أصبح، وهي قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]) هذه الآية قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة تامة في ترديدها وقراءتها، وورد ذلك عن جمع من الصحابة، فعن تميم الداري رضي الله عنه أنه كرر قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية:21] ردد هذه الآية حتى أصبح، وورد أيضاً عن أسماء رضي الله عنها: أنها قرأت قول الله تعالى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27] فوقفت رضي الله عنها عندها، فجعلت تعيدها وتدعو، قال الراوي: فطال عليّ ذلك فذهبت إلى السوق، فقضيت حاجتي، ثم رجعت وهي تعيدها وتدعو رضي الله عنها، هذا هو التدبر للقرآن! فالتكرار لآيات القرآن ليس تكراراً لطلب الأجر بقراءة الأحرف، إنما هو لطلب ما فيها من المعاني، وطلب ما فيها من الخير، وورد أن ابن مسعود رضي الله عنه ردد قول الله تعالى: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114]، وورد عن سعيد بن جبير رحمه الله أنه ردد قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281]، وورد ذلك عن جمع من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
والترديد للآية ليس أمراً مشروعاً في الفرائض؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يفعل ذلك ولم ينقل عنه، إنما هو في النوافل كما جاء ذلك في حديث أبي ذر الذي رواه النسائي وغيره، وهذا الترداد للآيات دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتدبرون القرآن؛ لأن الترداد والتكرار لهذه الآية إنما هو للنظر في معانيها.