أيها الإخوة الكرام! إن الله جل وعلا بين شأن القرآن ووصفه بنفسه، وكفى ببيان الله بياناً، وكفى بوصفه وصفاً، فهو الحكيم الخبير العليم الذي لا تخفى عليه خافية، ولا يبلغ الخلق -مهما أوتوا ومهما اجتمعوا- في وصف الكتاب ما وصف الله جل وعلا كتابه، قال الله جل وعلا في وصف كتابه: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] فوصفه الله سبحانه وتعالى بالمجد، والمجد في لغة العرب: السعة في أوصاف الكمال، فكل ما اتسع في أوصاف الكمال أثبت له هذا الوصف، وأطلق عليه هذا اللفظ، فالمجيد هو: الذي كمل في صفاته، واتسع في صفات الكمال والشرف، حتى بلغ منتهاها وبلغ غايتها، كيف لا وهو الروح؟ كيف لا وهو النور؟ كيف لا وهو الهدى؟ كيف لا وهو شفاء لما في الصدور؟ قال الله جل وعلا: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء:82]، وقوله سبحانه وتعالى: (من القرآن) (من) هنا ليست للتبعيض، بل هي لبيان الجنس، أي: إن كل القرآن شفاء لما في الصدور، ويشفي -أيضاً- من الأمراض الحسية، ويشفي -في الأصل والأساس وفي الدرجة الأولى- من أمراض القلوب، من أمراض الشبهات من أمراض الشهوات.