عدم المؤاخذة بالخطأ تيسير إلهي

إذا عرفنا هذا التفريق الذي هو شرعيٌ وطبيعي بين الخطأ وبين التعمد؛ فمن الممكن أن نفهم هذا التيسير الإلهي الذي عبَّر عنه الرسول عليه السلام في هذا الشطر الثاني من الحديث، حين قال: (ما أخشى عليكم الخطأ، إنما أخشى عليكم التعمد) .

فإذاً: علينا نحن أن نأخذ من هذا الحديث: ألاَّ نتعمد مخالفة الإسلام، أو مخالفة كتاب الله، أو مخالفة حديث رسول الله عمداً، أما إنسان تقع منه مخالفة بغير قصدٍ، فالله لا يؤاخذه، وأرى أن من الضروري التنبيه على هذا، أولاً: بياناً للناس.

وثانياً: رداً على كثير ممن يتكلم بالبهت والكذب على الأبرياء، فيقولون: بأننا نحن نضلل ونكفر المسلمين عامة، وهذا كلام نتبرأ منه ومن قائله، ومن الذي ينسبه أيضاً إلينا زوراً وبهتانا، بل (نحن نفرق؛ فالمستحقون للمؤاخذة هم المتعمدون لمخالفة الكتاب والسنة، وهؤلاء طائفة أشربوا حب الدنيا في قلوبهم، حب المظاهر والمناصب والكراسي وما إلى ذلك، فيظهر لهم الحق ثم يعادون أهل الحق، ويعادون نفس الحق متجاهلينه، أما جماهير الناس فلا علم عندهم بهذا الحق، لذلك هؤلاء الذين يحاربون الحق -الدين- وهم يعلمون، هم الذين يؤاخذون، أما الجمهور فغير مؤاخذ؛ لأنه لم يتعمد الخطأ.

خذ مثلاً بسيطاً: إنسان حنفي المذهب لا يرفع يديه عند الركوع -مسألة بسيطة جداً- هذا غير مؤاخذ؛ لأنه يظن أن هذا المذهب في هذه المسألة خاص، لكن ما بال ذلك الشيخ الذي يقرأ البخاري ومسلم وبعض كتب السنة، فلا بد أنه قرأ من مختصرات كتب السنة، مثلاً: بلوغ المرام من أحاديث الأحكام، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ولا بد أنه قرأ مثلاً: مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي، ولا بد أنه قرأ المنتقى من أخبار المصطفى لـ ابن تيمية الجد، لا بد أنه قرأ شيئاً من هذه الكتب، فوجد أحاديث صحيحة في البخاري ومسلم، أن الرسول كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه، ويجد في حديث واحد في صحيح البخاري أن أحد الصحابة في مجلس فيه نحو عشرة منهم، يصف لهم صلاة الرسول عليه السلام، فبعد أن يبدأ بتكبيرة الإحرام ثم يركع ويرفع يديه.

حتى يتم الصلاة فيقولون له جميعاً: صدقت.

هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الحديث لا بد أن هؤلاء قرءوه فأعرضوا عنه، لماذا؟ لأنه خلاف المذهب، والجمهور لا يعلمون هذه الحقيقة، فالجمهور خاصة عامة المسلمين لا يعرفون هذا الحديث، لكن خاصتهم -على الأقل بعضهم- عرفوا هذا الحديث، فلماذا تركوه؟ تعصباً للمذهب، بينما الواجب عليهم أن يتبعوا الرسول عليه السلام بصورة عامة، وفي الصلاة بصورة خاصة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] (صلوا كما رأيتموني أصلي) ما قال: صلوا كما صلى أبو حنيفة، ولا كما صلى مالك، ولا ولا إلخ، وتجدون هؤلاء قد عكسوا الأمر الآن تماماً: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:31] تجد أحدهم قد أخلص في اتباع المذهب.

تجد -مثلاً- بعض الحنفية إذا قام يصلي اعتمد على إحدى رجليه، ما قام هكذا كما خلقه الله وإنما يعتمد على رجله، لماذا تفعل هكذا؟ يقول: هكذا كان أبو حنيفة يصلي، فإذا قلت له: كيف كان رسول الله يصلي؟ لا يدري، إذاً: هذا الاتباع نُقل من اتباع الرسول عليه السلام إلى اتباع إمام، نحن إذا قلنا هذا الكلام فسروه وتأولوه بغير تأويل الحق، وقالوا: هذا طعن في الإمام، سبحان الله! إذا وجه الناس لاتباع سيد الأئمة وسيد الأنبياء والمرسلين وأن يخلصوا في الاتباع، يكون هذا طعناً في أولئك الأئمة الذين كان أحدهم أشد حرصاً على أن يكون مخلصاً في اتباعه للرسول عليه السلام! ولكن بعض الأشياء ربما أخطئوا فيها، وبعض الأشياء ربما نسبت إليهم، مثل هذه المراوحة بين رجل وأخرى، هذه لم تنقل عن أبي حنيفة في كتاب معتمد.

والشاهد أن هذا الفعل يفعلونه؛ لأن أبا حنيفة -زعموا- هكذا فعل، والرسول رفع يديه فلماذا لا تفعل مثلما فعل؟ لأنه لم يفعل أبو حنيفة، فجعلنا الأصل فرعاً والفرع أصلاً، الأصل اتباع الرسول عليه السلام جعلناه فرعاً، والفرع أصلاً، عكس للحقائق.

إذاً: المؤاخذة تأتي منهم بمعرفة الحق ثم يحيدون عنه.

وجماهير المسلمين لا يعرفون الحق فيما اختلف فيه الناس، لكن بعض الخاصة منهم يعرفون، وهؤلاء قسمان: منهم من يعرف الحق ويصدع به، وهؤلاء عليهم أن يتحملوا نتيجة الصدع بالحق أن يقال فيهم ويتكلم فيهم، هذا إذا ما ضربوا وسجنوا وما هو مكتوب عليهم، وهذه سنة الله في خلقه، والبعض الآخر يعلم ثم يجادل بالباطل، فندعو الله عز وجل أن يجعلنا من الذين لا يتعمدون مخالفة الكتاب والسنة، وإنما إذا أخطأنا فالله عز وجل قد وعدنا بأنه لا يؤاخذنا فيما أخطأنا، ولكن فيما تعمدته قلوبنا.

هذا الحديث الفقرة الأولى منه: (ما الفقر أخشى عليكم وإنما أخشى عليكم الدنيا) .

وهنا أحاديث ضعيفة متسلسلة رقم: (63-64-65-66) هذه كلها ضعيفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015