ثم إن الله تبارك وتعالى خلق في هذا العصر آية فيها رد واقعي على المعتزلة وأمثالهم، ذلك لأن المعتزلة يقولون: إذا قلنا: إن الله يتكلم فمعناه أن له شفتين، ولساناً، وأسناناً، ولثة، معناه ومعناه إلخ، هذا كله من ضيق عطنهم، وقصر تفكيرهم، فلم يتسع عقلهم أن يكون الله عز وجل شيئاً حقيقياً ينافي هذه الحقائق التي خلقها الله، فخلق الله عز وجل في هذا العصر من جملة ما خلق آلة صماء بكماء هي الراديو، فنحن نسمع الراديو يتكلم بكلام عربي مبين لا له شفة، ولا له أسنان، ولا له لهاةً، ولا أي شيء، هذا في الحقيقة من أكبر آيات الله في هذا العصر للرد على المؤولة -أي: المعطلة - الذين يتخيلون أنه من الضروري أن يكون الله مثلنا في صفة كلامه، لكن هو ليس مثلنا، إذاً: أنكرنا كلامه، فخلق الله عز وجل الراديو يتكلم بدون أي آلة، فالأخرس -مثلاً- لماذا لا يتكلم؟ فيه نقص-وأنا لست طبيباً- في تركيبه الجسدي، فلم يستطع أن يتكلم، فالله عز وجل خلق الراديو يتكلم بأوضح كلام بأي لغة من لغات الدنيا، وهو ليس له أي آلة من آلات الإنسان التي يتكلم بها عادة! فإذا كان الله خلق آلة جامدة تتكلم بدون هذه الوسائل، أليس الله عز وجل بقادر على أن يتكلم بدون لسان وشفتين وأسنان؟! بلى.
إنه على ذلك قدير! فانظروا إذاً كيف أن المعتزلة ضاق عقلهم أن يتفكروا ويعلموا أن الله إذا وصف نفسه بأنه يتكلم، فليس ضرورياً أن يكون كالإنسان له أعضاء الإنسان التي يتكلم بها هذه آية من آيات الله -الراديو- كما قلنا! باختصار، هذا التأويل الذي ذهب إليه كثيرٌ من المتأخرين وقليلٌ من المتقدمين، كان سبباً لانحراف علماء كبار عن طريق السنة والصحابة، الذين كانوا يؤمنون بكل ما وصف الله عز وجل به نفسه بشرط الإثبات والتنزيه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] .