هل أنكروها بمعنى أنهم قالوا: ليس في القرآن: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] ؟ لا.
وإنما أنكروها بتأويلها، أي: بتعطيل معانيها، لماذا؟ قالت المعتزلة: إذا قلنا: إن الله يتكلم فالإنسان يتكلم، فشابهنا الله بالإنسان، وليس كمثله شيء، فلا يجوز أن نقول: إن الله يتكلم، إذاً: هذا الكلام الذي بين أيدينا ليس هو كلام الله، قالوا: هذا الكلام -تخيلوا شيئاً- سجله الله في اللوح المحفوظ، ثم نقله جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن تكلم به إذاً؟ لا بد أن يتكلم به إما جبريل حين أنزله، أو أيضاً جبريل خيله في قلب الرسول عليه السلام، ورسول الله عبر عنه للصحابة، فإذاً: معنى قول المعتزلة: هذا القرآن ليس كلام الله، أي أنه تكلم به غير الله.
وحينئذٍ اشتركوا مع الذين قالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25] وهم المشركون الذين كذبوا الرسول عليه السلام في قوله: هذا كلام الله أوحاه إلي، فكذبوه وقالوا: لا.
هذا كلامك، فيلتقي المعتزلة المؤمنون بالله ورسوله، وبأن دين الإسلام قائم على القرآن وعلى الحديث، يلتقون بشؤم التأويل مع هؤلاء الكفار الذين نسبوا القرآن إلى أنه من قول البشر.
وكل إنسان يعلم أن الكفر يتحقق؛ سواءً قيل: هذا القرآن هو قول البشر، أو قول ملائكي، كله كفر؛ لأن الحقيقة أنه كلام الله تبارك وتعالى، فما الذي أودى بـ المعتزلة إلى هذه الهوة السحيقة، فأنكروا أن يكون القرآن الكريم كلام الله، ولذلك قالوا: هو حادث؟ هو من فضائل التأويل، أي: من شؤم التأويل الذي أودى بهم إلى أن ينكروا أن يكون لله كلام أصلاً، وبالتالي أنكروا أن يكون هذا القرآن كلام الله تبارك وتعالى.
إذاً: ما هو؟ هو إما قول محمد، وإما قول جبريل، وإما قول خلق من خلق الله الكثير، المهم أنهم يقولون صراحة: ليس هو كلام الله عز وجل.
والسبب هو عدم انتباههم للفرق بين وجود الله وصفاته وجوداً حقيقاً ينافي وجود المخلوق وصفاته منافاةً حقيقية، لم ينتبهوا لهذا، فقالوا: مجرد ما يشترك المخلوق مع الخالق في صفة من الصفات من ذلك الكلام؛ لزم من ذلك أن يشابه الله خلقه، أو يشابه الخلق ربههم تبارك وتعالى.
وصلى الله عليه وسلم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ، الله يتكلم ولكن كلامه ليس ككلامنا، كما أن ذاته ليست كذاتنا، وكل صفاته ليست كصفاتنا.