فطريقة الاتباع فيها حل للمشكلة، وقضاء على التقليد الذي عم وطم في بلاد الإسلام، وليست طريقة الاجتهاد كما يظن الظانون والباغون المفترون اليوم.
يمكن القضاء على التقليد الذي هو في الأصل حرام، ليس فقط بطريقة الاجتهاد، وإنما بطريقة أخرى دون ذلك، وهي طريقة الاتباع، والفرق بين طريقة الاجتهاد والاتباع فرقٌ سهل وواضحٌ جداً، ألا وهو: أن الاجتهاد يعني أن يكون المسلم العالم على علمٍ باللغة العربية، وآدابها، وعلوم الشريعة؛ كعلم الحديث، والتفسير، وأصول الفقه، ونحو ذلك، وهذا فعلاً لا يستطيعه حتى الذين درسوا هذه العلوم، لا يستطيعون تحقيقها وتطبيقها عملياً في واقع حياتهم العلمية.
لكن الاتباع هو: أنك حينما لا تستطيع الاجتهاد تسأل، فعليك أن تسأل أهل الاجتهاد -أهل العلم والفقه في الدين- عن المسألة التي يقدمونها إليك جازمين بحرمتها، أو جازمين بإباحتها، أو جازمين بوجوبها، أو باستحبابها، أو غير ذلك من الأحكام الشرعية، تستطيع أن تسألهم عن الدليل، فإذا قدّموا إليك الدليل اطمأن قلبك إلى هذا الحكم؛ لأنه قدم مقروناً بدليلٍ شرعي، بخلاف ما لو قال لك: هذا حرام، أو هذا حلال؛ فإنما قدم لك رأيه عارياً ومجرداً عن الدليل الشرعي، فالذي يأخذ هذا الرأي، التحريم، أو غيره، غير مقرون بدليل، فهذا هو التقليد، وهو الذي ينبغي أن نتخلص منه بقدر الإمكان، والذي يأخذ المسألة مقرونةً بدليلها الشرعي، من كتابٍ، أو سنة، أو اجتهاد عالم مجتهدٍ ما، فهو المتبع، والذي يقدم الدليل متفقهاً فيه من الكتاب والسنة فهو المجتهد.
لذلك فليس من الطبيعي أن نظل نوجه مثل هذا السؤال، هل كل مسلم ملزم بالاجتهاد؟ نقول: كل مسلم ملزم بأن يكون على بصيرة من دينه، أما الملزم بالاجتهاد فهم أهل العلم، وأهل العلم اليوم إن وجدوا فالمنصفون منهم في هذه المسألة يصرحون بأنهم ليسوا من أهل العلم، وهذا تصريح لا يبوحون به إلا حينما تضطرهم المجادلات العلمية إلى أن يقولوا بصراحة: إننا لسنا بعلماء، فأين هؤلاء العلماء؟ أصبحوا باعترافهم في خبر كان، ولذلك يعترفون بأن باب الاجتهاد أغلق، ومعنى هذا: أن العالم الإسلامي كله، أو على الأقل جله، يعيش في جهل، لا يعيش في حالة اجتهاد، وهذا أمر بدهي؛ لأنه في الزمن الأول ما كان كل أفراد المسلمين مجتهدين.