Q ورد أن الله سبحانه وتعالى يبعث على رأس كل قرن هجري مجدداً لهذه الأمة، فهل هذا صحيح أولاً؟ وإن كان صحيحاً فما نوع التجديد الذي يتم على يد هذا المجدد؟
صلى الله عليه وسلم الحديث صحيح، والتجديد أنواع، هذا هو الصحيح في تفسير الحديث، فالإسلام يحتاج إلى تجديد كلما مضى عليه مدة من الزمن -طويلة أو قصيرة- وتجديد الإسلام يكون من نواحٍ متعددة، أهمها: تجديد مفاهيمه الصحيحة، حيث ينحرف المسلمون مع الزمن عن فهم الإسلام -كتاباً وسنةً- فهماً صحيحاً، فأعظم تجديد هو هذا التجديد، الذي يأتي إلى المسلمين بالمفاهيم الصحيحة التي كان عليها سلفنا الصالح لنصوص الكتاب والسنة.
ومن هذا التجديد الأهم: أن يصفي السنة مما دخل فيها مما ليس منها، ثم هو يدعو المسلمين إلى الاعتماد على هذه السنة الصحيحة مع القرآن، ومع ذاك البيان الصحيح لكل منهما، الذي كان عليه سلفنا الصالح، هذا تجديد وهو أهم تجديد، ولا تقوم قائمة المسلمين، وقائمة الحركات الإسلامية، والدعوات الإسلامية كلها، والأحزاب الإسلامية كلها؛ إلا إذا بنيت على هذا التجديد الأصيل؛ وهو: تجديد السنة بتمييز ما ليس منها وطرحه جانباً، وتجديد المفاهيم الصحيحة لنصوص الكتاب والسنة، بدعوة المسلمين إلى المفاهيم التي كان عليها سلفنا الصالح.
لكن هذا في الواقع لا يكفي، فلا بد من تجديد -مثلاً- لعلوم أخرى يتطلب تطور الحياة العلمية والاجتماعية أن يتوجه بعض الناس إلى تجديدها، ونضرب على ذلك مثلاً علم اللغة، فهذا العلم لا بد من التجديد فيه، وتقريبه إلى الناس، وحتى إلى العرب أنفسهم الذين ابتعدوا قليلاً أو كثيراً عن لغتهم، بسبب العُجمة التي تسربت إليهم، فلا بد إذاً من تجديد هذا العلم، وكذلك يقال: لا بد من تجديد النواحي التربوية والنفسية، وتوجيه المسلمين إلى ما يوافق الكتاب والسنة من هذه النواحي كلها، ولا شك أن فرداً بل جماعة لا تستطيع أن تقوم بكل هذه الجهود وهذه التجديدات، ولذلك ذكر بعض العلماء -كمثال لأنواع التجديد- من المجددين: صلاح الدين الأيوبي؛ مع أن الرجل لم يكن مشهوراً بالعلم، ولكن لما جدد الحياة الإسلامية؛ بأن حضهم على الجهاد، وحملهم على مقاتلة الأعداء، وإخراجهم من البلاد بعد أن احتلوها سنين طويلة؛ فاعتبروه من جملة المجددين، فإذاً: لا يحصر التجديد في ناحية دون أخرى، فما دام أن الحياة تتجدد فلا بد للعلوم من أن تتجدد، وأن تمشي هذه العلوم وفق الكتاب والسنة الصحيحة، وعلى المفهوم الذي كان عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم.