ومن هذا النوع، وهو بلاء أكبر، وإن كان دون السابق في الاحتيال التفريق بين الصور اليدوية والصور الفوتوغرافية، أو التفريق بين الصور التي تصور بالقلم أو الريشة، وبين الصور التي تصور بالآلة المصورة هذا التفريق قلَّ ما ينجو منه عالم في العصر الحاضر؛ وذلك لعموم ابتلاء الناس بهذه الآلة وصورها؛ فيقول: هؤلاء الذين يفرقون بين الآلة المصورة فيجيزون التصوير بها، وبين التصوير بالقلم أو بالريشة، يقولون -وعجيب ما يقولون! -: إن هذه الآلة -أولاً- لم تكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فمتعاطيها والمصور بها لا يدخل في عموم الأحاديث السابقة، ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: (كل مصور في النار) إذاً: هذا المصور بالآلة لا يدخل في عموم الحديث، لماذا؟ قالوا: -زعموا- لأن الآلة ولأن المصور بها لم يكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
ولا يكاد ينقضي عجبي من مثل هذا الكلام وهو يصدر من علماء، المفروض أنهم يتذكرون دائماً وأبداً أن ما يقوله الرسول عليه الصلاة والسلام من الأحاديث ليست من عنده اجتهاداً برأيه، وإنما هو كما قال ربنا تبارك وتعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4] فحينما قال الرسول عليه السلام: (كل مصور في النار) يجب أن يستحضر المسلمون عامة فضلاً عن العلماء خاصة، يجب أن يستحضروا أن هذا الكلام ليس من عنده: (كل مصور في النار) وإنما تلقاه من وحي السماء من ربه تبارك وتعالى ثم صاغه بلفظه، أما المعنى فهو من عند الله عز وجل، فكأن الله هو الذي يقول: (كل مصور في النار) ، لأن الرسول لا يشرع للناس من عند نفسه.