الحالة الثالثة التي توجب الاعتزال، أن تكون فرداً لا معين لك، وبين هذه والتي قبلها عموم وخصوص، ففي هذه الحالة تعتزل إذا خفت على نفسك، أما دون هذا فإن العزلة لا تشرع، حتى نقيم دين الله تبارك وتعالى، قال الله عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]، وجاء هذا الفعل مضارعاً مؤكداً باللام، ونحن نعرف أن من صفات الفعل المضارع الاستمرار، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)، فإذا شرعنا العزلة للناس جميعاً وكل واحد يعتزل؛ فمن الذي يقوم بهذه الشعيرة العظيمة.
كل عالم عندما تقرأ ترجمته تجد عنواناً مشتركاً في تراجم العلماء الربانيين، التراجم الجانبية: اسمه كنيته مولده شيوخه تلاميذه ورعه وزهده تقشفه، طلبه للعلم؛ ثم تجد محنته.
هذا العنوان الجانبي (محنته) تجده في تراجم العلماء الربانيين.
ما معنى المحنة؟ أليس فيها مواجهة، هو إذا اعتزل وحده وتفرد ما يمتحن، إنما يمتحن لأنه أمر ونهى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17]، فدلنا ذلك على أن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر لا بد أن يصيبه أذى، لذلك قال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان:17].
نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا وإياكم ما جهلنا، وأن ينفعنا بما علمنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، ربنا آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.