افتتح الله عز وجل قصة داود وسليمان في سورة النمل بقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل:15 - 17]، فذكر الله عز وجل في افتتاح القصة أنه فضل سليمان عليه وسلم بشيئين: الشيء الأول: العلم.
الشيء الثاني: الملك.
لكنه قدم العلم على الملك؛ لأن العلم هو رأس كل خير، فلا بد أن ينضاف إلى الملك العلم، وإلا صار شهوةً وأداةً للظالمين والظلم والطغيان، فافتتح الله عز وجل منته على داود وسليمان بالعلم.
فيكفي بشرف العلم: أن الله عز وجل أباح لك أن تأكل صيد الكلب المعلم، ونهاك أن تأكل صيد الكلب الجاهل: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة:4]، فأنت لو كنت صياداً تصطاد الطيور، ومعك كلبٌ معلم، علمته أن يعرف الطير الذي اصطدته أنت بعلامة الرصاصة التي تكون في الصيد، فيذهب الكلب فيأتيك بهذا الصيد.
ففي حديث عدي بن حاتم في الصحيحين قال: (يا رسول الله! لو أني أرسلت كلبي المعلم -أي: الذي علمته أنا- فأتى بالصيد آكل؟ قال: كل.
قال: وإن قتلها؟ قال: وإن قتلها) أي: إن نزل الصيد وفيه رمق، ولم يمت من الرصاص، فأمسكه الكلب وقتله، فالذي قتلها إذاً هو الكلب وليست الرصاصة، فهو يسأل النبي عليه الصلاة والسلام: (وإن قتلها؟ -في حالة أن كلب الصيد قتلها- آكلها؟ قال: وإن قتلها).
ولكنه عليه الصلاة والسلام اشترط شرطاً: وهو ألا يكون معه كلب غير معلم، فأباح لك أن تأكل ما أمسك عليك الكلب المعلم، ونهاك أن تأكل ما أمسك عليك غيره، فصار الكلب المعلم مفضلاً بالعلم.