حفظ الله سبحانه وتعالى لكتابه من التحريف والتبديل

قال: (وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظاناً).

ومن المعلوم أن النجاسات إنما تزال بالماء خصوصاً المائعات، شرعاً وطبعاً، فإذا أصاب ثوب أحدنا نجاسة، وأراد أن يطهر النجاسة بالزيت أو بالسمن مثلاً، وهما من جملة المائعات، فإن النجاسة لا ترتفع عن هذا الثوب شرعاً وطبعاً، ولو أراد أن يغسله باللبن لم ترتفع النجاسة شرعاً وطبعاً، وإنما يرفع النجاسة الماء، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح يقول: (اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، وكلها ترجع إلى الماء، فلما كان أعظم نجاسة يبتلى بها الإنسان، ويتلطخ بها الروح هي الذنوب، سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يغسل الذنب بالماء، مع أن الذنب عادةً لا يزال بالماء، وإنما ضرب لنا المثل تشبيهاً لتقريب الفكرة.

والنجاسات المحسوسة تزول بالماء، وأعظم النجاسات الذنب، فلما كان مستقراً في أذهاننا أن الماء هو الذي يزيل النجاسة سأل الله تبارك وتعالى أن يزيل الذنب بالماء، فلما قال له تبارك وتعالى في هذا الحديث: (وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء) أي: لا يُمحى أبداً، ولا يستطيع أحدٌ أن يزيله ولا يزيل تأثيره.

إن أعداءنا في محافلهم العامة، وفي مناقشاتهم الخاصة يجمعون أن زوال القرآن من أعظم أسباب انتصارهم وتمزيق هذه الأمة.

ونحن نقول لهم: إن الله عز وجل وعدنا في القرآن وكما في السنة أنه سبحانه الحافظ لكتابه، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، استحفظ الله اليهود التوراة فخانوا وبدلوا، واستحفظ النصارى الإنجيل فخانوا وبدلوا، فلم يستحفظ المسلمين القرآن؟ لأنه كتاب مهيمن وخاتم وفرقان، والكل يرجع إليه، فلا بد أن يكون محفوظاً لا يتطرق إليه شك، وهذا وعد الله.

ولو أن رجلاً زاد في القرآن كلمة أو حرفاً لرد عليه آلاف من المسلمين في الأرض، ولا نعلم كلاماً قط في الأرض يحفظ كله ولا يغادر منه حرف إلا القرآن، وترى الطفل الصغير الذي لا يحسن المعاني، ولا يعرف حقيقة الكلام يحفظ كلام الله ولا ينساه.

وكثير من الناس الذين حفظوا (المعوذتين) في مطلع صباهم لا يعلمون تفسير كثير من ألفاظها، فلو قلت لأحدهم ما معنى: الفلق في قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1]؟ ربما تندهش لأن هناك رجالاً وصلوا إلى درجة الدكتوراه، وأناساً يدرسون، وأناساً لهم مناصب قيادية، ويحفظون السورة منذ ابتداء الكلام، ولا يعرفون معنى: الفلق!! فضلاً عن أن يعرف معنى (الغاسق إذا وقب) ونحن نعرف بداهة أن الكلام الذي لا ينطوي على معنى يزول، ولا يحفظه الذهن، فكيف حفظ الطفل هذا الكلام وهو لا يعرف له معنى؟ قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] يحفظه الكبير والصغير، فهذا وعد من الله أن القرآن محفوظ.

وقوله في الحديث: (وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء)، إنما مثل القرآن بالماء لجملة المؤآمرات التي تحاك بهذا الكتاب لتمحوه كما يمحو الماء النجاسة، وشبكة الإنترنت كل يوم يظهر عليها قرآن مفترى، وقديماً افترى مسيلمة الكذاب قرآناً، وضحك العقلاء منه؛ لوشاشته وسماجته؛ ولأنه ليس له من المعنى والجلالة ما لكتاب الله عز وجل.

فيؤلف الحاقدون كل يوم قرآناً جديداً، فسورة (الكافرون) سيضعون بدلها سورة (المسلمون)، ويطعنون على المسلمين وعلى دين المسلمين، ويأتي أطفالنا الذين لا يميزون بين الشمال واليمين ويقولون: هذا كذب، فكتاب الله (لا يغسله الماء) ولا يستطيع أحدٌ قط أن يبدل فيه شيئاً، ولو حرفاً واحداً، وهذا هو أقوى عدة المقاتل: القرآن، لأن فيه الوعد الحق أن الله ناصره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015