الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (يَقُوْلُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِيْ السَّبِيْلَ)، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أخذ الرجل الخشبة وصاحبه الآخر يلتمس مركباً، لأنه لم يعتمد على الخشبة أن تصل؛ لأن قضاء الديون لا يجوز أن يعتمد المرء فيه على هذه الخوارق، فلا يجوز أن تذهب بدَينك فترميه على الطريق وتقول: إن شاء الله يصل، فإذا جاء صاحبه وقال: أين دَيني؟ فتقول: أنا وضعته لك في مكان كذا وكذا، ألم يصلك؟ لا يجوز أن يُعْتَمد على هذا في قضاء الدين، فإن الأصل في أموال الناس العصمة؛ لكن هذا الرجل لأنه يعتمد بقلبه اعتماداً كلياً على ربه فعل الذي فعل، ولما علم أن هذا ليس هو سبيل قضاء الدين الشرعي أخذ ألف دينار أخرى وذهب إليه، وهذا دليل على أن الرجل ربح وكسب، وإلا فهو اقترض ألف دينار ورمى بها في البحر ولكنه أخذ ألفاً أخرى.
وعندما ذهب إلى صاحبه قال: (أنت تعلم أنه قد حال بيني وبينك الموج، خذ الألف دينار، جزاك الله خيراً، فقال الرجل: ألم ترسل إليَّ شيئاً؟ -فتجاهل الرجل تماماً أنه أرسل شيئاً في البحر- قال: سبحان الله! أقول لك هذا أول مركب أجده، وتقول لي: هل أرسلتَ شيئاً؟ لم يقل له: لم أرسل؛ لأن هذا من الكذب، إنما أجاب إجابة يُفهم منها أنه لم يرسل؛ لكن ليس فيها كذب، قال: (سبحان الله! أقول لك: هذا أول مركب أجده وتقول لي: ألم ترسل شيئاً؟ قال له الرجل: ارجع بمالك راشداً، قد أدى الله عنك).
قال: أبو هريرة: (فكنا نتجادل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما آمن -أشد إيماناً من صاحبه- الذي قذف الخشبة في البحر، أم هذا الذي أبرز الأمانة؟) فلم يجحدها، ولم يأكل مال أخيه؛ لكن يظهر لي أن الذي رمى بالخشبة في البحر أشد الرجلين إيماناً.
نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بها، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم تقبل صيامنا وصلاتنا، وزكاتنا، وركوعنا وسجودنا.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هَزْلَنا وجِدَّنا، وخَطَأَنا وعَمْدَنا، وكلُّ ذلك عندنا.