لقد دخلت مرةً مسجداً، وفيه بعض أولئك الذين يفسرون القرآن الكريم تفسيراً يعود على النص بالإغفال، لا أسميه تأويلاً بالباطل، لكنهم يحرفون الكتاب، فيفسرون قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]، وهي آية واضحة جداً عند أي رجل يفقه شيئاً من لسان العرب، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ أي: من الذي يشفع عند الله إلا بإذن الله، هذا معنى الآية، فيقول: لا.
هذا المعنى الظاهر، لكن هناك معنى أعمق، وهو (من ذل ذي (يشف) عِ) أي من (ذل) من الذل، (ذي) اسم إشارة؛ إشارة إلى النفس أي: من ذل نفسه (يشف) من الشفاء، (عِ) فعل أمرٍ من (وعى) أي: عِ هذه الحقيقة، فأدى تأويله هذا إلى إيجاد كلماتٍ مختلفة عن كتاب الله، فنفى معنى الآيات، وأتى بمعنى جديد، وهناك فرقٌ بين الذين يؤولون تأويلاً باطلاً، وبين الذين يحرفون النص، قد يقول قائل: وما الفرق؟ إذا كان التأويل باطلاً، قد أبطل النص أيضاً، وهو باطل في ظاهره، فيقال: لا؟ لأن التحريف الباطل لا يوجد من يرده، بخلاف ما إذا ظل النص سليماً كما هو فيأتي الراشدون من العلماء يبينون حقيقته، أما إذا حُرف النص فماذا يبقى بيد العلماء؟ وهذا اللون من التحريف لا يستطيع أحدٌ أن يثبته في المصحف، لكنه يمكن في غير كتاب الله تبارك وتعالى، فيكون إيجاد كلماتٍ جديدة في كتابٍ خارج عن المصحف؛ وقد وجدنا أن هناك أناساً يستحلون مثل هذه الأشياء، وقد يطول على الناس زمان، يثبتون مثل هذا في المصحف، فقد ورد في بعض الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الأصنام ستعبد في جزيرة العرب.
ولكل ساقطة في الأرض لاقطة وكل نافقة يوماً لها خلق فالجرأة على تفسير القرآن الكريم على غير ما كان السلف الصالح يفسرونه به، هذا من أسبابه أن هؤلاء ورثوا الكتاب، كما لو ورثت مالاً عن والدك، قد تنفق هذا المال كله في لحظةٍ من اللحظات، ولا تذرف عليه دمعة إذا ضاع كله، بخلاف الذي جمع المال بنفسه، لذلك كان التعبير القرآني دقيقاً جداً: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ} [الأعراف:169]؛ لأن الذي ورث ليس كالذي قاتل على آيات الكتاب.