خديجة نعم المرأة الصالحة

تريد أن تعرف المرأة الودود؟ انظر إلى حال خديجة رضي الله عنها، سيدة النساء، ورد في الصحيحين من حديث عائشة ذكر بدء الوحي: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحنث في غار حراء؛ ولما جاءه الملك وقال له: اقرأ.

قال: ما أنا بقارئ.

وهزه هزاً عنيفاً، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى داره يرجف فؤاده، وقال: زملوني زملوني، وقال لـ خديجة: لقد خشيتُ على نفسي، قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً -وفي روايةٍ وقعت في بعض روايات صحيح البخاري، قالت-: كلا.

والله لا يحزنك الله أبداً.

إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلْ، وتقْري الضيف، وتساعد الضعيف، وتعين على نوائب الحق) فانظر إلى كمال عقلها وصدقها وحسن مواساتها لزوجها! أما كمال عقلها: فلأن الإنسان إذا أصابه الروع والفزع احتاج أن يذكره أحد بمآثره وصفاته، ومن أمثلة ذلك ما رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن كماشة النهري رحمه الله قال: دخلنا على عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فلما رآنا حول وجهه إلى الجدار وبكى طويلاً، فأقبل عليه ابنه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وقال: يا أبتِ! ألم يبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا؟ فواساهُ وذكره بالبشارات وهو بين يدي الموت، وهذا أدعى لأن يطمئن قلبه، فلما سمع ذلك أقبل عليهم، فقال: لقد رأيتني على أطباق ثلاث -أي: على ثلاث مراحلٍ في حياتي- رأيتني وما أحدٍ أشد بغضاً إلي من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحب إلي من أن أكون استمكنت منه فقتلته، فلئن متُ على هذا الحال لكنت من أهل النار، ثم أسلمتُ فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: (يا رسول الله! ابسط يدك لأبايعك، فبسط يده، فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قال: أشترط أن يغفر لي، قال: يا عمرو! أو ما علمت أن الإسلام يهدم ما قبلهُ، وأن الحج يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، قال: فما كان أحدٌ أحبّ إلي من النبي صلى الله عليه وسلم، وما كنت أملأُ عيني منه إجلالاً له، ولئن سُئلت أن أصفه لكم ما استطعت ذلك؛ لأنني ما كنت أملأ عيني منه إجلالاً له، فلئن متُ على هذا الحال لرجوتُ أن أكون من أهل الجنة؛ ثم حدثت أشياء لا أدري ما الله صانعٌ بي).

لما حضرت سفيان الثوري رحمه الله الوفاة انتفض وبكى، فقال له عبد الرحمن بن مهدي -تلميذه الوفي- ألست تقدم على الذي كنت تعبده؟ اسكن، فسكن، ففزع من الموت، فذكره أنه قادمٌ على الذي سجد له وركع، والذي كان يقوم له الليالي، والذي كان يتحمل الهجير في الصيام من أجله، فذكره وما كان سفيان يغفل وقد قضى حياته كلها لله عز وجل، لكنه الفزع الذي ينسي الإنسان حلمه ويزيل عنه عقله.

فإذا وقع المرء في مثل هذا الفزع احتاج إلى حسن المواساة، وقد رجع النبي صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده مما رأى وهو يقول: (لقد خشيت على نفسي، فقالت -وصدرت ذلك بالقسم من قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم- قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً) واستدلت بكريم شمائله، وجميل نعوته على أنه لا يخزيه، فقالت: (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل -أي: العالة يحمله حملاً- وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) فكيف يخزى من هذه صفاته؟!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015