دراسة جدوى حياة الإنسان إذا أراد أي تاجر أن يفتتح محلاً تجارياً، فقبل أن يقدم على هذه الخطوة فإنه يصنع ما يسمى بدراسة الجدوى، فينظر إلى المكان، وينظر إلى القوى الشرائية في هذا المكان أهي عالية أم لا، ثم ينظر إلى حاجة المشتري حتى يعين نوعية البضاعة التي يبيعها، فإذا هو لم يحسب هذه الحسابات كلها كان تاجراً خاسراً.
فدراسة الجدوى شيء أصيل عند بني آدم لمحبتهم للبيع والشراء، ولذلك قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] اشترى: أي أن القضية عبارة عن صفقة وعقد بيع، وقال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة:86]، وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:175]، وقال تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ} [النساء:74] (يشرون) أي: يبيعون.
فهذه المعاني أوصلها الله عز وجل لنا في صورة عقد بيع وشراء؛ لأن العباد بطبيعتهم جبلوا على حب البيع والشراء، فتعالوا لنغرس أعظم رأس مال للإنسان، وهو حياته وأوقاته، لنرى هل يخرج من هذا السوق مغبوناً أم خاسراً، فالذي ضيع وفرط في حياته الماضية ينبغي عليه أن يفيق؛ فإن العمر يمر.
أنت الآن اقتربت من الموت خطوة عن الأمس، وبالأمس كنت أبعد عن الموت يوماً، وأنت الآن أيضاً أبعد عن الموت منك في غدٍ -إذا حفظ الله حياتك إلى غد- وهكذا.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم يقربنا من القبر حياة الإنسان ستون سنة: أولاً: هو ينام عشرين سنة، لأن ثماني ساعات في اليوم في ستين سنة محصلتها عشرون سنة، فهو بهذا لا يحاسب على عشرين سنة من حياته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة، منها: النائم حتى يستيقظ)، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون).
ثم هو لا يؤاخذ حتى يصل إلى سن البلوغ، وسن البلوغ ينحصر بين عشر سنين وخمس عشرة سنة، فبإضافة خمس عشرة سنة مع عشرين سنة يكون مجموعها خمساً وثلاثين سنة، وهو لا يؤاخذ من يوم أن يولد حتى يبلغ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذات الحديث: (رفع القلم عن ثلاثة، منها: عن الغلام حتى يحتلم).
كم بقي من الستين عاماً؟ خمسة وعشرون سنة، وقد يطول نومك فتزيد سنوات النوم، وقد تمرض وتلزم الفراش عشر سنوات أو خمس سنوات أو سنة أو شهرين أو ثلاثة أو أكثر أو أقل، لكننا إذا افترضنا أن المرء كان صحيح البنية، لم تعترضه الآفات فالعمر الحقيقي الذي يؤاخذ به أمام الله خمسة وعشرون عاماً فقط، وهذه هل تستحق أن يضيع المرء من أجلها حياته الأبدية؟! أين القصور من عهد عاد؟!