معروف أن الإنسان لا يعمل العمل إلا إذا كان فيه حافز، وهذا شيء مفطور عليه الإنسان، ومهما أراد أن يكسره فإنه لا يفلح أبداً، لذلك فنظام الحوافز في الدنيا مشتق من النصوص، فعندما تجد الرجل يعمل ليل نهار؛ فإنما يعمل ذلك للحافز، فإذا علم العبد أنه لا يؤجر على فعله قل عمله وجهده.
ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) لأن العبد متعود أن يجني الثمرة من الفعل، فالعبد إذا أراد أن يغرس الفسيلة -التي هي النخلة، والنخلة تمكث عدة سنوات حتى تعطي الثمار- وعلم أن الساعة ستقوم يقول: من الذي يستفيد منها؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول له: اغرسها، وإن كنت لا تستفيد منها لأنه يعلم العبد أن لا يفعل الشيء إلا إذا كان هناك مقابل.
وهناك حكاية لرجل طيب مشهور، لكنه لم يرزق بالولد، وكان متزوجاً بابنة خاله، وكان يحبها ويرجو الولد منها، فطاف على الأرض شرقاً وغرباً، وأنفق ألوفاً من الأموال ابتغاء ولدٍ واحد، ولكنه رجع بخفي حنين.
وكان هذا الرجل في أول شبابه عنده طموح؛ لأنه كان يظن أنه إذا لم يرزق بولد هذا العام فسيرزق العام القادم يحدوه أمل، لاسيما وهو طبيب، والنتائج كلها تقول: لا توجد فيه علة.
بعض الدكاترة المشهورين ذهب إليه أحد هؤلاء وله أكثر من عشرة أعوام لا ينجب، وبعدما كشف عليه الطبيب لم يجد به علة، وقال له: إن لم أجعلك تنجب لأعتزلن الطب، عباد لا يعرفون قدر أنفسهم، فالله إذا لم يأذن فلا يستطيع أحد أن يعمل شيئاً.
فذلك الرجل لم تكن به علة ولا امرأته، لذلك كان يحدوه أمل، فكان يذهب إلى أي مكان يأمره الطبيب، مرة يقول له: انتظرني في إيرلندا، ومرة يقول له: انتظرني في هولندا، وبعد فترة قال له: انتظرني في أستراليا، والرجل دائخ وراءه ابتغاء ولد! وكان قد اشترى عمارة ومصنعاً، وفتح عيادة وعنده أموال كثيرة، فلما بلغ الخمسين من عمره يئس تماماً، فبدأ يبيع ويصفي كل ممتلكاته، فسئل عن السبب فقال: لمن أتركها؟ إذاً: هذا الرجل كان يعمل لكي يترك لأولاده ثروة، هذا هو السبب الذي جعله يعمل ليل نهار، وهو الذي جعله يقلص أوقات راحته حتى يستطيع أن يدخر هذه الأشياء لأولاده، فلما يئس وعلم أنه لا سبيل للانتفاع بكل ما جمع، بدأ يبدد هذا الذي جمعه.
إذا لم يكن هناك حافز للإنسان على العمل فإن همته تضعف، وكأنه لذلك لما جاءت امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسأله، ومعها صبي صغير، قالت: (يا رسول الله! ألهذا حجٌ؟ قال: نعم.
ولك أجر) مع أن المرأة لم تسأل: هل أنا أؤجر على المسألة هذه أم لا؟ لكنه قال لها: (ولكِ أجر) حتى يحفز المسلمين أن يصحبوا أولادهم من الصبيان إلى شهود مناسك الحج.
ولذلك أنت عندما تعلم أنك ستؤجر، فهذا حافز لك أن تصطحب ابنك.