جاء من آثار نشر المذهب الإرجائي في الأمة، أن خطباء المساجد يتلقون توصيات شفوياً في الاجتماعات فيقال للخطيب: لا تكثر من ذكر الموت ولا النار حتى لا ترهق نفسية الناس، ولكن اذكر رحمة الله تبارك وتعالى، واذكر الجنة وما فيها من النعيم، فإن هذا الرجل إذا عرف الجنة كان من الصابرين موقناً أنه سوف يدخل الجنة، وأنه إذا لم يحرز الدنيا فسيحرز الآخرة، وهذا خطأ في وضع العلاج، ويأتي في مقابلهم الذين رفضوا أحاديث الزهد في الدنيا، وقالوا: كيف نقول للمسلمين وهم يعيشون على هامش الحياة: ازهدوا في الدنيا؟ وكيف يملك الكفار الدنيا ونحن نقول للمسلمين: ازهدوا في الدنيا؟ وكأننا نطلق الدنيا ويتزوجها الكافر، لابد أن تكون الدنيا بأيدينا، ويحضون الناس على الدنيا وعلى التجارة وعلى الزراعة وعلى استثمار الأموال، وهذا أيضاً يحتاج إلى تخصيص.
إن النبي صلى الله عليه وسلم لما زهَّد الناس في الدنيا زهَّدهم في فضولها، ولم يزهدهم فيما يجب على المسلم أن يحصل، فمثلاً: لم يزهدهم في الإنفاق على الأولاد.
حيث قال: (كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوتاً)، وفي اللفظ الآخر لـ أبي داود: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت).
استرعاك الله عز وجل رعية: زوجة وأولاداً وأباً وأماً، فيجب عليك أن تنفق عليهم، فإذا قصر الرجل في النفقة على أهله وعلى أولاده فإنه يؤاخذ عند الله يوم القيامة، فعليه أن يجتهد، حتى لو كان العائد قليلاً، وهذا المفهوم لا يتطابق مع ما جاء في نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن التكالب على فضول الدنيا، وأكثر الناس لا يسعون في الواجبات، بل يسعون في الفضول، فيريد أن يحصل أموالاً أكثر، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو ويقول: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً) يعني: إذا وجدوا الغداء لا يكون عندهم العشاء، وإذا كان عندهم العشاء لا يكون عندهم الإفطار، هذا هو القوت.
وإنما كان يقول ذلك حتى يعتمد بقلبه على الله، فالذي ليس عنده العشاء يقول: يا رب!، لكن كثيراً من الناس الذين معهم أموال لا يقولون: يا رب؛ استغناء عن دعائه تعالى، (فالشيك) في جيبه، والفلوس في (البنك)، متى احتاج المال ذهب إلى (البنك) ليصرفه، بخلاف الفقير، الذي يذكر الله عز وجل عن حاجة، فهذا هو الذي نهى النبي عليه الصلاة والسلام عنه؛ أن تكون الدنيا في قلبك، وقال عليه الصلاة والسلام: (والله ما الفقر أخشى عليكم، إنما أخشى أن تبسط الدنيا فتنافسوها، فتهلككم كما أهلكت من سبقكم).
وأنت تجد الفقراء متحابين ليس بينهم خصومات؛ لا في الأموال، ولا في أعراض الدنيا، ففيهم راحة القلب، فكلما استراح القلب فقه عن الله عز وجل كلامه، فالذي يعين المرء على التخلص من الدنيا ذكر الموت، قال علي بن أبي طالب: (ما كان الموت في ضيق إلا وسعه، ولا في واسع إلا ضيقه).