وأنت مستيقظ تتكلم ذاكراً لربك، فلا يغلبك شيطانك أبداً، مع أنه أقوى منك جسدياً، وعنده مواهب وإمكانات أعطاه الله عز وجل إياها، ولم يعطِكها، ومع ذلك أنت أقوى منه بالله.
كذلك وأنت مستيقظ، إذا كنتَ تقول الأذكار لا يتمكن منك الشيطان.
فإذا نمتَ وكَلَّ وتوقف لسانك عن الذكر فكأنك ألقيت سلاحك، وعدوُّك شاهرٌ سلاحَه أبداً، لا يَمَل ولا يَكِل في طلبك وفي اصطيادك، ودَّ الشيطانُ وأعوانُه {لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ} [النساء:102] الأذكار! {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء:102].
وأنا مستقيظ لا يقدر علي، فإذا نمت، والنوم أخو الموت، وقد ألقيت سلاحي؟! سن لك النبي صلى الله عليه وسلم أن تذكر ربك قبل منامك فيتولى هو حفظُك؛ ولذلك جاء في الحديث: (ألجأتُ ظهري إليك)؛ فإن الإنسان لا يُغتال إلا مِن قِبَل ظهره؛ ولذلك طعنات الغدر لا تأتي إلا مِن قِبَل الظهر، لا تأتي مِن الوجه، تأتي غيلةً وخيانةً وغدراً، وأنا أحتاج إلى أن يُحْمَى هذا الظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألجأتُ ظهري إليك)، فأنت في حال المنام آمَنُ منك في حال اليقظة.
ولذلك قال بعض العلماء: إن الذي يُبْتَلى بالمس عادةً يُبْتَلى وهو نائمٌ، أغلب حالات المس التي يصاب الإنسان بها يُبْتَلى بها وهو نائم، كشخص مغفل يرمي سلاحه، وعدوه جاهز، ما المُتَصَوَّر؟ أن يغتاله عدوه، فأغلب حالات المس تصيب الإنسان وهو نائم.
فكل مرة تنام فيها تقول هذا الدعاء: (ألجأت ظهري إليك، ووجهت وجهي إليك)، (وجهت وجهي): الوجه هنا أو الجهة معناها: يا ربِّ ألجأت ظهري إليك، فاحمني من عدوي في حال حياتي؛ فإذا قضيتَ منامي فوجهي إليك، هذا معنى (وجهت وجهي إليك) وجهي إليك إذا متُّ؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الدعاء: (من مات في ليلته، مات على الفطرة)؛ لأن الشخص يقول: يا رب! وجهي إليك إذا مُت.
فهذا الذكر أنت مطالبٌ أن تقوله كل يومٌ، فإذا كنت تقوله كل يوم فمتى تغفل؟! فخلعت حولك وقوتك عندما قلت: (ألجأتُ ظهري إليك فاحمِني)، وخلعت حولك وقوتك وعلمت أنك راجعٌ إلى ربكَ رغم أنفك فقلت طواعيةً: (وجهتُ وجهي إليك).
فإذا أذن الله لك في عمرٍ باقٍ فاستيقظت في صباح غدٍ، فأول شيءٍ يلهج به لسانك ذكر من تحب: (الحمد لله، أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله).
عندما يكون الإنسان بهذا العجز وهذا النقص، فعلمه ناقص، وقدرته ناقصة، وتفكيره ناقص، وقوته ناقصة، وكل صفاته ناقصة، فما باله يدعي كمال العلم، فيعترض على ربه في باب القضاء والقدر؟!