المسلم إما أن يكون غنياً أو فقيراً، فإذا كنت غنياً من أصحاب الدرجة الثالثة فاقفز إلى الدرجة الأولى، وإذا قلت: أنا رجل ما عندي همة لطلب العلم، ولكل مقامٍ مقال، وأنا عقلي لا يستوعب هذا العلم.
فماذا أفعل؟! فأقول لك: كن عالماً أو متعلماً، ولا تكن الثالثة فتهلك، فإما أن تكون عالماً أو متعلماً؛ لأن بعد هذين الاثنين لا يوجد غير الجهل.
وإذا لم تكن متعلماً، فلا أقل من أن تصحب أهل العلم، كما ذكرنا عن والد الإمام البخاري رحمه الله، عندما قال لابنه: (ما أعلم درهماً من هذا المال فيه شبهة)، فهو ما استطاع أن يتجنب الشبهات فضلاً عن المحرمات، إلا لأنه صاحب أهل العلم، فكان كلما يأتي له نوع من أنواع المبايعات يسأل أهل العلم: أهذا حرام أم لا؟ فيقال له: لا؛ ليس حراماً؛ لكن فيه شبهة، فيترك الصفقة كلها، وإذا كان حراماً يتركها قولاً واحداً.
فأنت تسعد بصحبة أهل العلم.
ولذلك قال بعض طلاب العلم بعد أن سأله رجل: أوصني.
قال له: حيثما كنت فكن بقرب فقيه.
ثم قال له: أفلا أدلك لِمَ أنا أوصيك هذه الوصية؟ قال له: كنتُ رجلاً مجوسياً، فأسلمت، فأتيت الأوزاعي وهو من طبقة الإمام مالك وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وكان إمام أهل الشام، كان مالك رحمه الله يقول: أهل الشام بخيرٍ ما بقي فيهم الأوزاعي وسفيان الثوري، كان إماماً فحلاً جبلاً، لما ذهب الأوزاعي ليحج أمسك سفيان الثوري بلجام ناقة الأوزاعي يقودها في الازدحام، ويقول: أفسحوا لناقة الشيخ، فكان جليلاً، جاء رجل إلى سفيان الثوري وقال: إني رأيت في منامي أن ريحانةً قلعت من ديار الشام، فقال: ويحك إن صَدَقَت رؤياك فقد مات الأوزاعي، فجاء نعيٌ الأوزاعي في مساء نفس اليوم.
هذه شذرات عن الأوزاعي، ومن سوء حظنا أننا لا نعرف هؤلاء، ونعرف من لا يساوون قلامة ظفر الأوزاعي - قال هذا: كنت رجلاً مجوسياً فأسلمت فلازمتُ الأوزاعي رحمه الله، فقال لي: من أي البلاد أنت؟ قلت: من بلد كذا.
قال: ألك والد؟ قلت: نعم تركتُه مجوسياً.
قال: ارجع إليه فلعل الله أن يهديه بك.
قال: فرجعتُ فوجدتُه في النزع الأخير.
فجعل يرغبه في الجنة ويرغبه في الإسلام.
قال: يا بني اعرض علي دينك.
فعرض دينه، فاستحسنه، فأسلم، ومات.
فلولا أن الأوزاعي أمره أن يرجع إلى والده لمات والده على المجوسية والله أعلم.
فانظر إلى وصية العلماء، خيرٌ مُتَعَدٍّ مباشرة، لا سيما أنه لا يسألك أجراً، والإنسان دائماً عندما يُسأل -وبالذات المال- يحس بثقل.
الله يغضب إن تركت سؤاله وبُنَيَّ آدمَ حين يسألُ يغضبُ وعندما يقول لك شخص دائماًَ: هات، هات، هات، أول ما تراه يكلح وجهك؛ لأنك عارف أنه سيقول: هات.
فأنت آمن (100 %) من هذه الجهة وأنت بقرب العلماء؛ لأن العالم يكون له الفضل عليك دائماً؛ لأنه لا يسألك شيئاً وأنت تسأله، فالفضل دائماً لليد العليا.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله أجمعين.