الرجل الثالث: (رجل آتاه الله مالاً، ولم يؤته علماً، فهذا بأخبث المنازل) كقارون لما وعظوه، وقالوا له: اتق الله ولا يجوز لك أن تنفق المال في هذا، ارعَ حق الله تبارك وتعالى إلى آخر الوصايا الغالية التي قالها له قومه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77].
ولأنه (جاهل غني) رد عليهم، وقال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78] أي: إني أنا كنت عارفاً أنني سأكون غنياً؛ لأنني حسبتها حساباً صحيحاً، القرش عندي يأتي بعشرة، أو ((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} أي: لولا أني أستحق الخير ما أعطاني الله، ولو كنت رجلاً سيئاً لحرمني، فأنا لا أستحق هذا إلا لأنني مقربٌ عند الله، وهذا الجواب ينمُّ عن جهلٍ فاضح.
فقارون خرج على قومه في زينته، قال تبارك وتعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} [القصص:79] فهؤلاء ليس معهم شيء؛ لكنهم قعدوا يتمنون، هذا هو الصنف الرابع، لا معه مال ولا علم، ويقول هؤلاء الذين حالهم كحال الذي يخبط خبط عشواء ويركب الظلماء {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79]، هذا الرجل الذي يقولون: إنه لذو حظ عظيم، لما خسف ربنا سبحانه وتعالى بقارون وداره الأرض قالوا: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} [القصص:82]، مع أنهم كانوا يتمنون أن يكونوا كقارون.