ليس الخبر كالمعاينة

قال: (إنما الدنيا لأربعة نفرٍ) ولم يقل: إنما الآخرة، فذكر منهم مَن هم من أهل الآخرة، بل هم أجلُّ أهل الآخرة، حتى يقول لك: إنك ستجني ثمرة الذي تفعله وأنت حيٌ قبل أن تموت، فتعاينه بأم رأسك، فإن الإنسان يحب العاجلة، وبعض الناس قد يدفعه أن يرى مكانه في العاجلة ليعمل للآخرة، فليس المُخْبَر كالمعايِن، وإذا رأيت الشيء بعينيك زاد إيمانك إذا كنت من أهل الإيمان، وتصوُّرك للمسألة هو الذي يرسخ الإيمان في صدرك، ورؤياك للقضية هو الذي يثبِّت اليقين.

ألم ترَ إلى موسى عليه السلام لما كان يناجي ربه في الطور، فأبلغه الله تعالى أن قومه عبدوا العجل، فعلم موسى عليه السلام أنهم عبدوا العجل، أخذ الألواح في يده وفيها هدىً ونور، لكنه أول ما ذهب ورأى العجل ألقى الألواح من الغضب، بينما لم يلقِ الألواح لما أخبره الله عز وجل أنهم عبدوا العجل لأنه لم يرَ بعينيه.

وبهذا البحث تفهم النكتة في قوله تبارك وتعالى: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة:50]، فإن المظلوم لا يشفى إلا إذا رأى مصرع ظالمه، فإذا رأى ظالمَه وقد هلك فيشعر ويحس أن الغيظ ذهب، بخلاف ما لو كان يسمع أنه هلك ولا يراه.

لذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنما الدنيا)، أي: إن مَن فَعَل هذه الأشياء سيكون له في الدنيا شأن، لكن شأن يختلف على حسب الصفات الموجودة في الإنسان.

هناك أشخاص حتى الآن يذكرون باللعنات: كفرعون، وقارون، وهامان، وأبي جهل، وأبي لهب؛ حتى دفع حب الذكر ذاك الرجل أن يبول في ماء زمزم أيام الحج، فلما قيل له: لِمَ؟ قال: أردتُ أن أُذْكَر ولو باللعنات!! فهناك كثير من الخلق يُذْكَرون؛ لكن إذا ذُكِروا لُعِِنوا.

لذلك المسلم لا يبحث عن الشهرة؛ فإن هناك مشهورين؛ لكن باللعنات، ولكن يبحث عما يشتهر به.

ومن عاقبة الإخلاص أن الله تبارك وتعالى يجعل لك لسان صدقٍ في الآخِرين، وهذا نوع من العز الذي أشار إليه الحديث: (إنما الدنيا)، فالأنبياء والأولياء الذين كانوا أخلص الناس لله، نحن الآن نذكرهم، بل إن بعض العباد كان يعبد الله بين أربعة جدر، وصل إلينا خبره، وكان يستتر بعبادته، فكيف وصل؟! هذه هي عاقبة الإخلاص.

فالله تبارك وتعالى يصير ذكرك حسناً، برغم أنك لم تسعَ إلى هذا الذكر؛ لكنه يصيره لك.

فالدنيا لهؤلاء الأربعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015