إذا أردت أن تدخل الخلاء، فللخلاء ذكر، حتى وأنت تدخل دورة المياه، فإن لها ذكراً.
تأمل في نفسك! كم أنت مقصِّر، فقد ظللت ردحاً من الزمان تفوت على نفسك الحسنات، وإذا كنت طيلة عمرك تجهل هذا الذكر، فستلقى الله بماذا وقد فعلت كل شيءٍ لم تؤمر به، وتركت الشيء الذي أُمِرْت به؟! إذاًَ: على الإنسان أن يتدارك نفسه! ولا يتهاون بالذكر فإن أجره عظيم.
يقول الله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152].
قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (مَن ذكرني في مَلَإٍ ذكرتُه في مَلَإٍ خيرٌ منه) لأن هذا الذكر مستوجب للمحبة، والشكر مستوجب لمزيد النعمة، فإن شكرتَ يزيدك، وإن ذكرتَ يحبك؛ لذلك فإن مرتبة الذكر أعلى من مرتبة الشكر.
قال -وهذا ينسب إلى موسى عليه السلام- (يا رب! كيف أشكرك ولك في كل شعرةٍ من بدني نعمتان: نعمة أن ليَّنت أصلها، وطمست رأسها) تصور لو أن الشعرة كانت مثل الشوكة هل تستطيع أن تنام أو تتحرك؟! لكن ليَّن لك أصلها.
(لك في كل شعرةٍ من بدني نعمتان: نعمة أن ليَّنت أصلها، وطمست رأسها، قال: يا موسى! أما قد عرفتك ذلك فقد شكرتني).
هذا الشكر يستوجب الذكر، وإن علمت أن الله تبارك وتعالى هو المتفضل عليك فلِمَ تغفل عنه، والمشاهَد في حياة الناس اليوم أن الواحد إن كان له طلب أو حاجة عند بعض الناس يذكره ليل نهار، ويخطط ويبحث عن أفضل السبل في استجلاب رضائه، فكيف لا تفعل هذا مع الله تبارك وتعالى وهو ملِك كل هذه الأملاك، ورب كل هذه الأرباب تبارك وتعالى.
فالمسلم إنما أُتِي مِن نفسه ومِن جهله.
وكما قلنا فإن لدخول الخلاء ذكراً فلا تغفل عن ما علمك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول الخلاء، أن تقول: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) أي: تقدم رجلك اليسرى وتقول الدعاء قبل أن تدخل دورة المياه؛ لأن ذكر الله محرم داخل هذه الأماكن.
قال العلماء: الخبث جمع خبيث وهو: ذكران الجن.
والخبائث: إناث الجن.
كأنك تقول: اللهم إني أعوذ بك من الجن ذكرِه وأنثاه؛ لأن العلماء ذكروا أن -دورة المياه- أحد الأماكن التي يستقر الجن فيها، فإن قلت هذا أمِنْت من مسهِ لك، فمن الممكن أن يحدث لك مس في دورة المياه، فإن قلت هذا الدعاء كأنك تشرفت بِجُنَّة، ولَبِسْتَ جُنَّة ووقاية، فعندما تقضي حاجتك تخرج برجلك اليمنى، ثم تقول: (غفرانك).
ما معنى غفرانك؟! أنت دخلت دورة المياه في دقيقة واحدة، فقضيت حاجتك، وخرجتَ، ولا توجد مشاكل، ولا أي شيء، وتبوَّلت في نصف دقيقة، فاذكر غيرك الذي ابتلاه الله -عز وجل- بالفَشَل الكِلَوِي، يذهب أسبوعياً إلى المستشفى لأجل عمل غسيل كِلَوِي بمائة جنيه، وغيرك يجمع البول من الدم عن طريق جهاز، يظل أسبوعاًَ معذباً! معنى أن البول ينتشر في الدم فهذا يسبب ضيقاًَ، ويؤثر على خلايا المخ، ويستشعر المرء أن حياته لا قيمة لها، يظل أسبوعاً كاملاً أو يومين أو ثلاثة أو أربعة يتألم حتى يأخذوه إلى هذا الجهاز، فيجمع هذا البول من الدم فيستريح يوماً واحداً، ثم يبدأ العذاب من جديد.
فإذا علمتَ أنك تخرج هذا البول في دقيقة أو في نصف دقيقة مع تقصيرك في حق الله عز وجل، وأنه لو أراد أن يعاملك بفعلك لانتقم منك، فتخرج بعدما قضيت هذه النعمة تقول: (غفرانك)، أي: رب اغفر لي؛ لأنك إن عاملتني بجنس تقصيري عذبتني وحبَسْتَ الأذى فيّ، وهذا معنى غفرانك، فإن استغفرت ربك عز وجل حفظ عليك تمام هذه النعمة.
أتعجز أن تقول: غفرانك أيها المسلم، وهي كلمة واحدة بعدما تقضي حاجتك؟! والإنسان إذا حبست فيه ريح فقط يكاد ينفجر، وهذه ريح، كما يقول بعض العلماء: بلغ من ضعف ابن آدم أن تؤذيه دقة، وأن تميته شرقة.
انظر إلى الإنسان الذي طلع إلى الفضاء والقمر، وصنع القنابل الذرية والصواريخ والطائرات يموت بشرقة ماء، فهذا منتهى العجز والهوان، وأنت لا تدري متى تموت، فلِمَ تقصِّر -إذَنْ- في ذكر الله؟! إنك لا تدري: إذا جن عليك ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ إن الموت يأتي بغتة! كما قال الشاعر: الموت يأتي بغتةً والقبرُ صندوقُ العملْ وهذه الأذكار لا تكلفك شيئاً، بل تأخذ مزيداً من رعاية الله بك، فلِمَ تُغْفِلُها إذَنْ؟! إذا نمتَ على الوصف المذكور، فجعل الله عليك مَلَكَاً فإنه لا يقترب منك شيطان إطلاقاً وأنت نائم، آمن.