فما هو الفرق يا ترى بين وجوده عليه الصلاة والسلام، وبين بلوغ كلامه لك؟ الفرق: (أشهد).
(هذا هو الفرق) لو كنت تعتقد أنك تشهد أنّ محمداً رسول الله؛ ما عصيته أبداً، ولذلك تقي الدين السبكي -رحمه الله- طرح سؤالاً في جزء له اسمه: (بيان قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي)، -والإمام المطلبي هو الإمام الشافعي رحمه الله-.
سئل الإمام تقي الدين السبكي عن رجل قرأ عليه حديثاً للنبي عليه الصلاة والسلام وهناك فتوى تخالفه من أي عالم، فقال: (وليتوهم أحدكم نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أمره بذلك، فهل يحل له أن يخالف؟) في هذا المجلس قد يكون من بعض الجلوس أحد ابتلي بلبس دبلة ذهب، أو خاتم من الذهب، وكل هذا لا يحل، ولا يجوز للرجال، فالآن هو لابس الدبلة وقد لا يكون عالماً بالحكم، فأنا لو قلت الآن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك الذهب في يد والحرير في يد وقال: (هاذان حرام على ذكور أمتي).
أيها الأخ الذي يلبس الذهب ولا يعلم بالحكم! هل مجرد أن سمعت الحديث مباشرة الآن خلعت الذهب؟ هل امتثلت وخلعته فوراً، أم تباطأت حتى أُنهي الكلام، ثم تعود إلى البيت، وتعمل جلسة طارئة تحدث فيها نفسك وأنت متردد، هل أخلع الدبلة أم لا؟ هذا هو الفرق.
في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يلبس خاتم ذهب، فنزعه من يديه نزعاً شديداً وطرحه، فلما أراد الرجل أن يقوم وينصرف، تاركاً خاتمه، قال بعض الجلوس: خذ خاتمك وانتفع به، فقال لهم الصحابي: (ما كنت لآخذه وقد طرحه رسول الله) طالما رماه على الأرض، أنا فلن تمتد يدي إليه، هذا هو تصرف الصحابة.
والذين جاءوا من بعدهم، وامتثلوا لمثل هذا النداء العظيم، أشهدُ أن محمداً رسول الله، فحقق معنى الشهادة التي يكررها في اليوم خمس مرات، فالصحابة حققوا هذا أتم تحقيق، وضربوا المثل الأعلى لمن يأتي بعدهم للاتباع، وهذا الحديث شاهد صدق على ذلك.