إذا لم يكن الاجتماع على الله ورسوله فلا كان، ما قيمته؟! والصحيح أن (كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة) ولا يكون الأمر إلا ذلك، أما مبدأ (كَتِّل ثم ثَقِّف) فهو مبدأ خاطئ، والصواب (ثَقِّف ثم كَتِّل).
والذين يريدون أن يجمعوا العوام في صعيد واحد ويفرحون ويقولون: إن تعدادنا في هذا العام عشرة ملايين تقريباً، لا ينفعهم هذا، إذا كان تعدادكم عشرة ملايين فماذا فعلتم؟ لا شيء، بل استهانوا بكثير من الأوامر بدعوى أن غيرها أولى منها.
ولو أننا أردنا أن نكتِّل أولاً ثم نُثَقِّف، فسنجمع الزنديق والملحد والكافر والشيوعي والرافضي وصاحب الهوى، وسنجمع الكل في صعيد واحد، ثم نبدأ نثقف، فإذا قلت شيئاً يخالف ما عند هذا الملحد، قال لي: لا.
الأمر كذا وكذا وكذا، فأظل أجادل هذا الملحد، وقد لا أستطيع أن أجيب على شبهاته؛ لأنها قوية، فيفتن مَن يسمعون، أو على الأقل يصرف جهدي في تعليم هؤلاء لغير منفعة.
وإذا كان صاحب هوىً وكلامك على غير هواه، فستظل تبين له أن المسألة كذا وكذا وتذكر له قال الله وقال رسوله وقال العالم الفلاني، وحتى يفهم يكون الجهد قد ضاع، بخلاف ما إذا ثقفت قبل أن تكتل، فإن تثقيفك لن يكون على منهج هؤلاء، ولن يبقى معك إلا من هو على منهجك، فإذا قلت الكلمة آتت ثمارها؛ لأنهم جميعاً على نفس منهجك، ولهذا لا يُفْرَح بالعوام، وإياك أن تفرح أن العوام في جانبك؛ لأنهم غداً ينقلبون عليك، وصدق الذي قال: إن العامي مشتق من العمى؛ لأنه بيد من يقوده غالباً أو دائماً.
وإذا نظرت إلى العوام في زمن موسى عليه السلام: {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء:39 - 40]، إذا غلبوا فنحن وراءهم، هؤلاء هم العوام، ولا تنتصر أمة على الإطلاق عوامُّها هؤلاء.