لماذا جعل الله عز وجل البلاء من نصيب أوليائه؟ إنما نجلي الإجابة عن هذا السؤال لنقوي قلب المتقاعس المتردد.
اعلم أن القلب يخالف البدن في مادة حياته؛ القلب مادة حياته غير مادة حياة البدن، الآفات والمصائب والأمراض والأوجاع هي علل البدن، إذا أصاب عضواً من الأعضاء عطب مات أو شُل أو ضعف، فهذه المحن تضعف الجسم، لكنها تقوي القلب؛ القلب لا يستمد مادة حياته إلا من المحن، والعباد يوزنون عند الله يوم القيامة بقلوبهم لا بأجسامهم، رب رجلٍ سمينٍ عظيمٍ يأتي يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة.
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحيفاً شديد النحافة، حتى ذكروا أن الريح إذا هبت كانت تكفؤه على ظهره من شدة ضعفه، ولما صعد شجرةً وأبصر الصحابة دقة ساقيه ضحكوا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مم تضحكون؟ قالوا: يا رسول الله! من دقة ساقيه.
قال: والذي نفسي بيده! لهما أثقل في الميزان من أحد).
إن العبد لا يوزن عند الله بجسمه، إنما يوزن بقلبه، فلئن تذهب إلى الله عز وجل مبتلى بكل مرضٍ في بدنك أهون ألف مرة من أن توافيه وقد ابتليت في قلبك، فالقلب يستمد حياته من المحن، فلما كان الأمر كذلك وحياة القلب هي الحياة الحقيقية؛ جعل الله البلاء من نصيب أوليائه لتحيا قلوبهم ولا تموت، ويبتليهم في أبدانهم ثم يلهمهم الصبر على البلاء، فالحمد لله أولاً وآخراً.