في تلك الفترة كان الشيخ المطيعي رحمه الله صاحب تكملة المجموع في شرح المهذب للنووي، يعطي في ذلك الوقت أربعة دروس في بيت طلبة ماليزيا، فكان يشرح صحيح البخاري والمجموع للنووي وكتاب الأشباه والنظائر للسيوطي.
فبدأت أواظب على حضور دروس الشيخ المطيعي رحمه الله، ولكني تكاسلت عن حضور هذه الدروس في أواخر حياة الشيخ المطيعي في مصر بسبب كلمة قالها في الشيخ الألباني، والألباني هو الذي فتح عيني على الحق فأواليه، وهذه طبيعة الإنسان، ولذلك استأذنت أن أقول: من المفروض أن الإنسان عندما يدرس الفقه يدرسه بالدليل؛ لأنك بهذا تجعل الطالب يوالي صاحب الكلام، الذي هو الرسول عليه الصلاة والسلام.
وكان من ضمن المسائل التي تكلم فيها المطيعي رحمه الله مسألة قضاء الفوائت، والمعلوم أن الجماهير يقولون بوجوب القضاء حتى على المتعمد، خلافاً لـ ابن حزم ومن نحا نحوه كـ ابن القيم مثلاً، واختار هذا القول الشيخ الألباني.
فأنا عندما قرأت على الشيخ المطيعي ووصل إلى هذا الموضع في تدريس الفقه، قال: إن الصواب الإعادة.
- فقلت: يا شيخ! هناك من العلماء من يقول: إنه لا يستطيع أن يقضيها ولو أراد؛ لأن الصلاة فاتته من عشر سنوات فكيف يقضيها الآن، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103] (موقوتاً) أي: لها وقت أول ووقت آخر، فكما لا يجوز أن يصلي المرء قبل الوقت لا يجوز أن يصلي بعد الوقت.
- فقال لي: من قال بهذا؟ - فأنا كنت حديث عهد، ما قرأت في المحلى ولا أعرف أن هذا مذهب ابن حزم، فقلت له الشيخ: الألباني.
- قال: من الألباني؟ - قلت: هذا عالم.
- قال لي: من أصحابنا -أي: الشافعية-؟ - فقلت له: لا، هو عالم معاصر.
- قال لي: دعك من المعاصرين.
بعد ذلك جئت أكلم الشيخ المطيعي على مختصر البخاري للشيخ الألباني، وقال لي: إن البخاري لو أحياه الله لقال: لا أعرف هذا الكتاب، وإن مثل هذا المختصر كمثل رجل كتب حديثاً ثم مزقه -أي: الأوراق- وبدأ يجمع الأوراق مرة أخرى.
فالحقيقة بعدما سمعت هذا الكلام غضبت قليلاً وقلت: طالما أنه يقع على الشيخ الألباني فأنا لا أحضر الدرس، وتقاعست عن حضور الدروس مدة شهر أو شهرين، لكنني شعرت بحاجتي الشديدة لهذه الدروس، فما استطعت أن أتركها، وتبين لي مقدار الخسارة في ترك مثل هذه الدروس، خاصة لما قرأت تراجم العلماء وأنه لا يجوز للطالب أن يهجر أستاذه إذا وجد في خُلقه شدة أو نحو ذلك، ولقد تأثرت بما قرأته في ترجمة الطيماني الحنفي عندما قال: كنت أقرأ سنن الدارقطني عليه، فوقع الدارقطني في أبي حنيفة فتركت مجالسته، فمات الدارقطني وما قرأت عليه السنن، قال: ما ضر الدارقطني أني لم أقرأ، وندم كثيراً؛ لأنه تغيب عن هذه المجالس وفاته الخير الكثير.
وهذا خلق مذموم من الطالب أن يهجر شيخه لمجرد أنه آنس منه شيئاً يخالف هواه، كان الأعمش رحمه الله يشتد على طلبته، لدرجة أنه كان يهينهم أحياناً، جاءه راوٍ مشهور فقال: يا أبا محمد! اكتريت حماراً بنصف دينار وجئت لأسمع منك حديثاً.
فقال له: اكتر بالنصف الآخر وارجع، وأبى أن يحدثه.
وجاءه طالب آخر، فقال له: يا أبا محمد! حديث كذا وكذا ما إسناده؟ فأخذ بحلقه فألصقه بالحائط وقال: هذا إسناده، ولم يجبه، ولم يعطه الحديث.
والمشهور أن الأعمش ربى له كلباً، كان إذا سمع همهمتهم ودبدبة أرجلهم كان يطلق عليهم الكلب، وكان شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري لما يرجعون إليه مرة أخرى، فكان الأعمش يقول لهم: لو تركتم ما عندي لسوء خلقي خسرتم.
فالحقيقة أن كلام الشيخ المطيعي في الألباني هون قليلاً من الاستفادة الكبرى والمواظبة التي كنت أواظبها على الشيخ المطيعي؛ لأن الألباني أول من فتح عيني على المنهج الحق، فصرت أواليه وأحبه، حتى إنه كان في فترة من الفترات في بداية الدعوة السلفية في مصر كان يوالى ويعادى على شخص الشيخ الألباني، وكنا نرى أن هذا مشروع، بدليل قول العلماء: إذا رأيت الرجل يبغض أحمد؛ فاتهمه على الإسلام، أي: لا يجتمع بغض أحمد مع السنة؛ لأن الإمام أحمد علم مشهور عندما يصفونه يقولون: إمام الحديث والسنة، مما يشعرك أن الرجل قد يكون إماماً في الحديث وليس إماماً في السنة، فكنا نأتي بمثل هذه الأقوال، ونقول: الألباني في زماننا مثل الإمام أحمد في زمانه، فنحن نوالي ونعادي عليه، فكانت هذه لها بعض السلبيات.