المبتدع يزعم بلسان حاله أن الله لم يكمل الدين، ولذلك أراد أن يضيف من عنده ما لم يأذن به الله ورسوله، ولذلك سميت بدعة لأجل هذا، فإن المبتدع نازع الله عز وجل حق الانفراد بالتشريع، وأي لقب سوء أعظم من أن يكون المرء منازعاً لربه في حق التشريع؟! إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للصحابة أن يزيدوا في المأذون فيه، فكيف يأذن لهم أن يخترعوا ما لم يأذن به الله ورسوله؟! المشروع لا يجوز لك أن تزيد فيه، مع أنك تفعل ذلك زيادة قربى إلى ربك لتنال الأجر، ومع هذا لم يؤذن لك فيه.
وحديث الثلاثة الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته يريدون التقرب إلى الله والجد في العمل، فذهبوا إلى القدوة والأسوة، الذي ليس بعده مبتغى في الجد في العبادة، فسألوا عائشة فأخبرتهم أنه بشر كالبشر، يمارس حياته بصورة طبيعية، فلما سمعوا ذلك قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ما معنى هذا التعليق؟ معناه أن هذه عبادة قليلة، لا يُرفع لها رأس، لكن هذا رسول الله سواء أكثر أو أقل في العبادة، فهو مغفور له.
لكنه إذا احتقر الأسوة وميزان العمل ماذا يبقى له؟ إذا كان الأسوة في نظره قليل العمل، لكن الذي جبره أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه، هذا أول درجات الطغيان بأن تعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قليل العبادة، لكنه مغفور له، ولذلك غضب النبي عليه الصلاة والسلام فجمع الناس، ولم يمرر هذا الموقف؛ لأنه يشتمل على أمر خطير، لو ترك هذا الأمر لكان فيه الضياع الكامل: أن يعتقد المرء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قليل العبادة.
فقال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا أما إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية).